الإيلام ، فعليهم أن يقدموا القول الطيب ، والعمل الصالح ، لكي يظفروا بمغفرتى ورحمتي ، وينجو من عذابي ونقمتي.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد جمع في هاتين الآيتين بين المغفرة والعذاب ، وبين الرحمة والانتقام ، وبين الوعد والوعيد ، لبيان سنته ـ سبحانه ـ في خلقه ، ولكي يعيش المؤمن حياته بين الخوف والرجاء ، فلا يقنط من رحمة الله ، ولا يقصر في أداء ما كلفه ـ سبحانه ـ به.
وقدم ـ سبحانه ـ نبأ الغفران والرحمة ، على نبأ العذاب والانتقام ، جريا على الأصل الذي ارتضته مشيئته ، وهو أن رحمته سبقت غضبه ، ومغفرته سبقت انتقامه.
والضمير «أنا» و «هو» في الآيتين الكريمتين ، للفصل : لإفادة تأكيد الخبر.
قال الإمام الرازي ما ملخصه : وفي الآيتين لطائف :
إحداها : أنه أضاف ـ سبحانه ـ العباد إلى نفسه بقوله (عِبادِي) وهذا تشريف عظيم لهم ...
وثانيها. أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة : أولها : قوله (أَنِّي) وثانيها قوله (أَنَا) ، وثالثها. إدخال حرف الألف واللام على قوله (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، ولما ذكر العذاب لم يقل : إنى أنا المعذب ، بل قال (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ).
وثالثها : أنه أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يبلغ إليهم هذا المعنى ، فكأنه أشهده على نفسه في التزام المغفرة والرحمة.
ورابعها : أنه لما قال (نَبِّئْ عِبادِي) كان معناه نبىء كل من كان معترفا بعبوديتى ، وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع. فكذلك يدخل فيه المؤمن العاصي ، وكل ذلك يدل على تغليب جانب الرحمة من الله ـ تعالى ـ» (١).
وقال الآلوسى : وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله ـ تعالى ـ خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل الذي عنده من رحمة لم ييأس من الرحمة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله ـ تعالى ـ من العذاب ، لم يأمن من النار».
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤٩ ص ٥٥.