وقال ـ سبحانه ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١).
فالجملة الكريمة وهي قوله ـ سبحانه ـ (لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ) نفت قدرة أحد على تبديل كلمات الله ، لأن أخبارها صدق ، وأحكامها عدل ، وإنما الذي يقدر على التغيير والتبديل هو الله ـ تعالى ـ وحده.
والضمير في «كلماته» يعود على الله ـ تعالى ـ ، أو على الكتاب.
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً).
وأصل الملتحد : مكان الالتحاد وهو افتعال من اللحد بمعنى الميل. ومنه اللحد في القبر ، لأنه ميل في الحفر. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا ..) أى : يميلون في آياتنا.
فالمراد بالملتحد : المكان الذي يميل فيه إلى ملجأ للنجاة.
والمعنى : وداوم أيها الرسول الكريم على تلاوة ما أوحيناه إليك من كتابنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، واعلم أنك إن خالفت ذلك لن تجد غير الله ـ تعالى ـ ملجأ تلجأ إليه ، أو مأوى تأوى إليه ، لكي تنجو مما يريده بك.
فالجملة الكريمة تذييل قصد به التحذير الشديد ـ في شخص الرسول صلىاللهعليهوسلم لكل من يقصر في تلاوة كتاب الله ، أو يحاول التبديل في ألفاظه ومعانيه.
ثم ساقت السورة الكريمة لونا من الأدب السامي ، والتوجيه العالي ، حيث بينت أن أولى الناس بالرعاية والمجالسة هم المؤمنون الصادقون ، وأمرت النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يصبر نفسه معهم ، فقال ـ تعالى ـ : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ..).
وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها : أنها نزلت في أشراف قريش ، حين طلبوا من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يجلس معهم وحده ، ولا يجالسهم مع ضعفاء أصحابه كبلال وعمار وابن مسعود. وليفرد أولئك بمجلس على حدة ، فنهاه الله ـ تعالى ـ عن ذلك .. وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء الفقراء فقال : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ). (٢).
__________________
(١) سورة الحجر الآية ٩.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٥ ص ١٤٨.