والرشد : الاهتداء إلى الطريق المستقيم مع البقاء عليه. وهو ضد الغي. يقال : رشد فلان يرشد رشدا ورشادا ، إذا أصاب الحق.
أى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ للناس ليعتبروا ، وقت أن خرج هؤلاء الفتية من مساكنهم ، تاركين كل شيء خلفهم من أجل سلامة عقيدتهم فالتجأوا إلى الكهف ، واتخذوه مأوى لهم ، وتضرعوا إلى خالقهم قائلين : يا ربنا آتنا من لدنك رحمة ، تهدى بها قلوبنا ، وتصلح بها شأننا ، وتردّيها الفتن عنا ، كما نسألك يا ربنا أن تهيئ لنا من أمرنا الذي نحن عليه ـ وهو : فرارنا بديننا. وثباتنا على إيماننا ـ ما يزيدنا سدادا وتوفيقا لطاعتك.
وقال ـ سبحانه ـ : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ ..) بالإظهار ـ مع أنه قد سبق الحديث عنهم بأنهم أصحاب الكهف لتحقيق ما كانوا عليه من فتوة ، وللتنصيص على وصفهم الدال على قلتهم ، وعلى أنهم شباب في مقتبل أعمارهم ، ومع ذلك ضحوا بكل شيء في سبيل عقيدتهم.
والتعبير بالفعل (أَوَى) يشعر بأنهم بمجرد عثورهم على الكهف. ألقوا رحالهم فيه واستقروا به استقرار من عثر على ضالته ، وآثروه على مساكنهم المريحة ، لأنه واراهم عن أعين القوم الظالمين.
والتعبير بالفاء في قوله ـ سبحانه ـ (فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ..) يدل على أنهم بمجرد استقرارهم في الكهف ابتهلوا إلى الله ـ تعالى ـ بهذا الدعاء الجامع لكل خير.
والتنوين في قوله : (رَحْمَةً) : للتهويل والتنويع. أى : آتنا يا ربنا من عندك وحدك لا من غيرك. رحمة عظيمة شاملة لجميع أحوالنا وشئوننا. فهي تشمل الأمان في المنزل ، والسعة في الرزق ؛ والمغفرة للذنب.
قال القرطبي ما ملخصه : هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والأوطان .. خوف الفتنة ، ورجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما حدث لهؤلاء الفتية بعد أن لجئوا إلى الكهف ، وبعد أن دعوا الله بهذا الدعاء الشامل لكل خير. فقال : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً).
وأصل الضرب في كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم ، بظاهر جسم آخر بشدة.
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٣٦٠.