الافتتاح ، إلا أن لكل سورة طريقتها في بيان الأسباب التي من شأنها أن تقنع الناس ، بأن المستحق للحمد المطلق هو الله ـ تعالى ـ وحده (١).
وإنما كان الحمد مقصورا في الحقيقة على الله ـ تعالى ـ ، لأن كل ما يستحق أن يقابل بالثناء فهو صادر عنه ، ومرجعه إليه ؛ إذ هو الخالق لكل شيء ، وما يقدم إلى بعض الناس من حمد جزاء إحسانهم ، فهو في الحقيقة حمد لله ، لأنه ـ سبحانه ـ هو الذي وفقهم لذلك ، وأعانهم عليه.
وقد بين بعض المفسرين الحكمة في افتتاح بعض السور بلفظ الحمد دون المدح أو الشكر فقال ما ملخصه : «أعلم أن المدح أعم من الحمد ، وأن الحمد أعم من الشكر ، أما بيان أن المدح أعم من الحمد ، فلأن المدح يحصل للعاقل ولغير العاقل ، فقد يمدح الرجل لعقله ، ويمدح اللؤلؤ لحسن شكله.
وأما الحمد فإنه لا يحصل إلا للفاعل المختار ، على ما يصدر منه من الإنعام ، فثبت أن المدح أعم من الحمد.
وأما بيان أن الحمد أعم من الشكر ، فلأن الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإنعام ، سواء أكان ذلك الإنعام واصلا إليك أم إلى غيرك ، وأما الشكر فهو عبارة عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك وحدك ، فثبت أن الحمد أعم من الشكر.
وكان قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) تصريحا بأن المؤثر في وجود العالم هو الفاعل المختار ، الذي وصلت نعمه إلى جميع خلقه ، لا إلى بعضهم .. ، (٢).
وقوله : (الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً. قَيِّماً ..) بيان للأسباب التي توجب على الناس أن يجعلوا حمدهم وعبادتهم لله ـ تعالى ـ وحده ، إذ الوصف بالموصول ، يشعر بعلية ما في حيز الصلة لما قبله.
والعوج ـ بكسر العين ـ أكثر ما يكون استعمالا في المعاني ، تقول ، هذا كلام لا عوج فيه ، أى : لا ميل فيه.
أما العوج ـ بفتح العين ـ فأكثر ما يكون استعمالا في الأعيان تقول : هذا حائط فيه عوج.
وقوله : (قَيِّماً) أى : مستقيما معتدلا لا ميل فيه ولا زيغ وهما ـ أى : عوجا وقيما ـ
__________________
(١) راجع تفسيرنا لسورة الأنعام ص ٢٧.
(٢) راجع تفسير الفخر الرازي لأول سورة الأنعام ج ٤ ص ٣. طبعة المطبعة الشرقية سنة ١٣٣٤ ه.