وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) ثناء على الرسول صلىاللهعليهوسلم الذي نزل عليه القرآن ، بعد الثناء على القرآن في ذاته.
أى : وما أرسلناك ـ أيها الرسول الكريم ـ إلا مبشرا لمن أطاعنا بالثواب ، وإلا منذرا لمن عصانا بالعقاب. ولم نرسلك لتخلق الهداية في القلوب ، فإن ذلك من شأن الله تعالى.
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكم التي من أجلها أنزل القرآن مفصلا ومنجما ، فقال : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً).
ولفظ : (قُرْآناً) منصوب بفعل مضمر أى : وآتيناك قرآنا.
وقوله : (فَرَقْناهُ) أى : فصلناه. أو فرقنا فيه بين الحق والباطل. أو أنزلناه منجما مفرقا.
قال الجمل : وقراءة العامة (فَرَقْناهُ) بالتخفيف. أى : بينا حلاله وحرامه ...
وقرأ على وجماعة من الصحابة وغيرهم بالتشديد وفيه وجهان : أحدهما : أن التضعيف للتكثير. أى : فرقنا آياته بين أمر ونهى وحكم وأحكام. ومواعظ وأمثال وقصص وأخبار. والثاني : أنه دال على التفريق والتنجيم» (١).
وقوله (عَلى مُكْثٍ) أى : على تؤدة وتمهل وحسن ترتيل ، إذ المكث التلبث في المكان ، والإقامة فيه انتظارا لأمر من الأمور.
والمعنى : «ولقد أنزلنا إليك ـ أيها الرسول ـ هذا القرآن ، مفصلا في أوامره ونواهيه ، وفي أحكامه وأمثاله ... ومنجما في نزوله لكي تقرأه على الناس على تؤدة وتأن وحسن ترتيل ، حتى يتيسر لهم حفظه بسهولة ، وحتى يتمكنوا من تطبيق تشريعاته وتوجيهاته تطبيقا عمليا دقيقا.
وهكذا فعل الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ : فإنهم لم يكن القرآن بالنسبة لهم متعة عقلية ونفسية فحسب ، وإنما كان القرآن بجانب حبهم الصادق لقراءته وللاستماع إليه منهجا لحياتهم ، يطبقون أحكامه وأوامره ونواهيه وآدابه ... في جميع أحوالهم الدينية والدنيوية.
قال أبو عبد الرحمن السلمى : حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن ، أنهم كانوا يستقرئون عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يتركوها حتى يعملوا بما فيها «فتعلمنا القرآن والعمل جميعا».
__________________
(١) حاشية الجمل ج ٢ ص ٦٥١.