بسبب إصرارك على الكفر والطغيان ، من بعد إتيانى بالمعجزات الدالة على صدقى فيما أبلغه عن ربي الذي خلقني وخلقك وخلق كل شيء.
ثم حكى القرآن بعد ذلك ما هم به فرعون ، بعد أن أخرسه موسى ـ عليهالسلام ـ بقوة حجته ، وثبات جنانه فقال : (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ..
والاستفزاز : الإزعاج والاستخفاف ، والمراد ـ به هنا : الطرد والقتل.
والضمير المنصوب في (يَسْتَفِزَّهُمْ) يعود إلى موسى وقومه بنى إسرائيل.
أى : فأراد فرعون بعد أن وبخه موسى وهدده ، أن يطرده وقومه من أرض مصر التي يسكنون معه فيها. وأن يقطع دابرهم ، كما أشار إلى ذلك ـ سبحانه ـ في قوله : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (١).
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما ترتب على ما أراده فرعون من استفزاز لموسى وقومه فقال : (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً. وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ ...).
أى : أراد فرعون أن يطرد موسى وقومه من أرض مصر ، وأن يهلكهم .. فكانت النتيجة أن عكسنا عليه مكره وبغيه ، حيث أهلكناه هو وجنده بالغرق ، دون أن نستثنى منهم أحدا.
وقلنا من بعد هلاكه لبنى إسرائيل على لسان نبينا موسى ـ عليهالسلام ـ : اسكنوا الأرض التي أراد أن يستفزكم منها فرعون وهي أرض مصر.
قال الآلوسى : وهذا ظاهر إن ثبت أنهم دخلوها بعد أن خرجوا منها ، وبعد أن أغرق الله فرعون وجنده. وإن لم يثبت فالمراد من بنى إسرائيل ذرية أولئك الذين أراد فرعون استفزازهم ، واختار غير واحد أن المراد من الأرض. الأرض المقدسة ، وهي أرض الشام (٢).
وعلى أية حال فالآية الكريمة تحكى سنة من سنن الله ـ تعالى ـ في إهلاك الظالمين ، وفي توريث المستضعفين الصابرين أرضهم وديارهم.
ورحم الله الإمام ابن كثير ، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية. وفي هذا بشارة لمحمد صلىاللهعليهوسلم بفتح مكة. مع أن هذه السورة نزلت قبل الهجرة ، وكذلك وقع ، فإن أهل مكة هموا
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ١٢٧.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ١٨٦.