وجاء قوله ـ تعالى ـ (فَهُوَ الْمُهْتَدِ) بصيغة الإفراد حملا على لفظ (مَنْ) في قوله (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ) وجاء قوله : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ) بصيغة الجمع حملا على معناها في قوله : (وَمَنْ يُضْلِلْ).
قالوا : ووجه المناسبة في ذلك ـ والله أعلم ـ أنه لما كان الهدى شيئا واحدا غير متشعب السبل ، ناسبه الإفراد ، ولما كان الضلال له طرق متشعبة ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) ناسبه الجمع (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ الصورة الشنيعة التي يحشر عليها الضالون يوم القيامة فقال : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ ، عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا ..).
والحشر : الجمع. يقال : حشرت الجند حشرا. أى جمعتهم. وقوله : (عَلى وُجُوهِهِمْ) حال من الضمير المنصوب في نحشرهم. وقوله : (عُمْياً ، وَبُكْماً وَصُمًّا) أحوال من الضمير المستكن في قوله (عَلى وُجُوهِهِمْ). أى : نجمع هؤلاء الضالين يوم القيامة ، حين يقومون من قبورهم ، ونجعلهم ـ بقدرتنا ـ يمشون على وجوههم ، أو يسحبون عليها ، إهانة لهم وتعذيبا ، ويكونون في هذه الحالة عميا لا يبصرون ، وبكما لا ينطقون ، وصما لا يسمعون.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) إما مشيا ، بأن يزحفوا منكبين عليها. ويشهد له ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أنس قال : قيل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : كيف يحشر الناس على وجوههم؟ فقال : «الذي أمشاهم على أرجلهم ، قادر على أن يمشيهم على وجوههم» ..
وإما سحبا بأن تجرهم الملائكة منكبين عليها ، كقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) ويشهد له ما أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ـ وصححه ـ عن أبى ذر ، أنه تلا هذه الآية. (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ) فقال : حدثني الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين ، وفوج يمشون ويسعون ، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم.
وجائز أن يكون الأمران في حالين : الأول : عند جمعهم وقبل دخولهم النار ، والثاني عند دخولهم فيها ...
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٤٩.