معرفة نفسه هكذا ،
كان عجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى. وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق
مجاور له ، دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز .
وقوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلاً) من جملة الجواب الذي أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يرد به على السائلين عن حقيقة الروح.
أى : وما أوتيتم ـ
أيها السائلون عن الروح ـ من العلم إلا علما قليلا ، بالنسبة إلى علمه ـ تعالى ـ الذي
وسع كل شيء ، ولا يخفى عليه شيء.
وإن علمكم مهما
كثر فإنه لا يمكنه أن يتعلق بحقيقة الروح وأحوالها ، لأن ذلك شيء استأثر الله ـ تعالى
ـ به وحده ، واقتضت حكمته ـ عزوجل ـ أن يجعله فوق مستوى عقولكم.
قال صاحب الظلال
عند تفسيره لهذه الآية : والمنهج الذي سار عليه القرآن ـ وهو المنهج الأقوم ـ أن
يجيب الناس عما هم في حاجة إليه ، وما يستطيع إدراكهم البشرى بلوغه ومعرفته ، فلا
يبدد الطاقة العقلية التي وهبها الله لهم فيما لا ينتج ولا يثمر ، وفي غير مجالها
الذي تملك وسائله ، وبعضهم عند ما سأل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الروح ، أمره الله أن يجيبهم بأن الروح من أمره ـ سبحانه
ـ ...
وليس في هذا حجر
على العقل البشرى أن يعمل ، ولكن فيه توجيها لهذا العقل أن يعمل في حدوده ، وفي
مجاله الذي يدركه.
والروح غيب من غيب
الله لا يدركه سواه .. ولقد أبدع الإنسان في هذه الأرض ما أبدع ، ولكنه وقف حسيرا
أمام ذلك السر اللطيف ـ الروح ـ لا يدرى ما هو؟ ولا كيف جاء؟ ولا كيف يذهب؟ ولا
أين كان ولا أين يكون ، إلا ما يخبر به العليم الخبير في التنزيل» .
وقال بعض العلماء
: وفي هذه الآية ما يزجر الخائضين في شأن الروح ، المتكلفين لبيان ماهيته ، وإيضاح
حقيقته ، أبلغ زجر ، ويردعهم أعظم ردع ، وقد أطالوا المقال في هذا البحث ، بما لا
يتسع له المقام ، وغالبه ، بل كله من الفضول الذي لا يأتى بنفع في دين أو دنيا ..
فقد استأثر الله ـ
تعالى ـ بعلم الروح ، ولم يطلع عليه أنبياءه ، ولم يأذن لهم بالسؤال عنه ،
__________________