الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ...).
قال الإمام ابن كثير بعد أن ذكر هذه الرواية وغيرها : وهذا السياق يقتضى فيما يظهر بادى الرأى ، أن هذه الآية مدنية ، وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة ، مع أن السورة كلها مكية.
وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية ، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك. أو أنه نزل عليه الوحى بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه ، وهي هذه الآية : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ...).
ومما يدل على نزول هذه الآية بمكة ما أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس قال : قالت قريش ليهود. أعطونا شيئا نسأل عنه هذا الرجل؟ فقالوا : سلوه عن الروح ، فسألوه فنزلت : ويسألونك عن الروح .. الآية» (١).
وكلمة الروح تطلق في القرآن الكريم على أمور منها :
الوحى ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ...) (٢).
ومنها : القوة والثبات كما في قوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ...) (٣).
ومنها : جبريل ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ...) (٤).
ومنها : القرآن كما في قوله ـ سبحانه ـ : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ...) (٥).
ومنها : عيسى ابن مريم ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ...) (٦).
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٦٠.
(٢) سورة غافر الآية ١٥.
(٣) سورة المجادلة الآية ٢٢.
(٤) سورة الشعراء الآية ١٩٣ ، ١٩٤.
(٥) سورة الشورى الآية ٥٢.
(٦) سورة النساء الآية ١٧١.