أى : واجعل لي ـ يا
إلهى ـ من عندك حجة تنصرني بها على من خالفني ، وقوة تعينني بها على إقامة دينك ،
وإزالة الشرك والكفر.
وقد وضح صاحب
الكشاف هذا المعنى فقال : قوله : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) أى : حجة تنصرني على من خالفني ، أو ملكا وعزا قويا ناصرا
للإسلام على الكفر ، مظهرا له عليه ، فأجيبت دعوته بقوله :
(وَاللهُ يَعْصِمُكَ
مِنَ النَّاسِ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ* لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ). ووعده لينزعن ملك فارس والروم فيجعله له.
وعنه صلىاللهعليهوسلم أنه استعمل «عتاب بن أسيد» على أهل مكة وقال : انطلق فقد
استعملتك على أهل الله ، فكان شديدا على المريب. لينا على المؤمن ، وقال : لا
والله لا أعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة إلا ضربت عنقه ، فإنه لا يتخلف عن
الصلاة إلا منافق. فقال أهل مكة : يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله «عتاب بن
أسيد» أعرابيا جافيا.
فقال صلىاللهعليهوسلم : «إنى رأيت فيما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب
الجنة ، فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديدا ، حتى فتح له فدخلها ، فأعز الله
به الإسلام لنصرته المسلمين على من يريد ظلمهم ، فذلك السلطان النصير» .
وقال ابن كثير ـ بعد
أن ساق بعض الأقوال في معنى الآية الكريمة ـ قوله : (وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) قال الحسن البصري في تفسيرها : وعده ربه لينزعن ملك فارس
والروم وليجعلنه له.
وقال قتادة فيها :
إن نبي الله علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان. فسأل سلطانا نصيرا لكتاب
الله. ولحدود الله ، ولفرائض الله ، ولإقامة دين الله ، فإن السلطان رحمة من الله
جعله بين أظهر عباده ، ولو لا ذلك لأغار بعضهم على بعض فأكل شديدهم ضعيفهم ...
ثم قال ابن كثير :
واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة ، وهو الأرجح ، لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن
عاداه وناوأه ، ولهذا يقول ـ تعالى ـ : (لَقَدْ أَرْسَلْنا
رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ ، وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ، وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ
وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ...).
__________________