فتيل ، وهو الخيط المستطيل في شق النواة ، وبه يضرب المثل في الشيء القليل ومن في قوله (فَمَنْ أُوتِيَ) يجوز أن تكون شرطية ، وأن تكون موصولة ، ودخلت الفاء في الخبر وهو «فأولئك» لشبهه بالشرط.
وجاء التعبير في قوله (أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) بالإفراد ، حملا على لفظ من ، وجاء التعبير بالجمع في (فَأُولئِكَ) حملا على معناها.
وفي قوله ـ سبحانه ـ (بِيَمِينِهِ) تشريف وتبشير لصاحب هذا الكتاب المليء بالإيمان والعمل الصالح وقال ـ سبحانه ـ : (فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ) بالإظهار ، ولم يقل : يقرءونه ، لمزيد العناية بهؤلاء السعداء ، ولبيان أن هذا الكتاب تبتهج النفوس بتكرار اسمه.
ثم بين ـ سبحانه ـ سوء عاقبة من أوتى كتابه بشماله فقال : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً).
والمراد بالعمى هنا : عمى القلب لا عمى العين ، بدليل قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
والمعنى : ومن كان من بنى آدم في هذه الدنيا أعمى القلب ، مطموس البصيرة ، بسبب إيثاره الكفر على الإيمان ، فهو في الدار الآخرة أشد عمى ، وأضل سبيلا منه في الدنيا ، لأنه في الدنيا كان في إمكانه أن يتدارك ما فاته أما في الآخرة فلا تدارك لما فاته.
وعبر ـ سبحانه ـ عن الذي أوتى كتابه بشماله بقوله ـ (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) للإرشاد إلى العلة التي بسببها أصابه الشقاء في الآخرة ، وهي ـ فقدانه النظر السليم ، وإيثاره الغي على الرشد ، والباطل على الحق ..
ومما يدل على أن المراد به من أوتى كتابه بشماله ، مقابلته لمن أوتى كتابه بيمينه ، كما جاء في آيات كثيرة منها قوله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ : هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ. قُطُوفُها دانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ. وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ : يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) (١).
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لبنى آدم من التكريم والتفضيل ما من شأنه أن
__________________
(١) سورة الحاقة الآيات من ١٩ الى ٢٥.