ثم ختم ـ سبحانه ـ الآيات بغرس الطمأنينة في قلوب المؤمنين الصادقين ، فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ، وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً).
أى : إن عبادي الصالحين الذين أخلصوا دينهم لي ، ليس لك ـ يا إبليس ـ تسلط واقتدار على إغوائهم وإضلالهم ، وصرفهم عن السبيل الحق إلى السبيل الباطل.
قال ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (١).
وقال ـ سبحانه ـ (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ، إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٢).
والإضافة في قوله (إِنَّ عِبادِي ...) للتشريف والتكريم حيث خصهم ـ سبحانه ـ بهذا اللون من الرعاية والحماية.
وقوله (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أى : وكفى بربك وكيلا يتوكلون عليه ، ويفوضون إليه أمورهم ، ويعتصمون به لكي يقيهم وساوس الشيطان ونزغاته.
قال الإمام ابن كثير : قوله : (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) أى : حافظا ومؤيدا ونصيرا.
روى الإمام أحمد عن أبى هريرة أن رسول صلىاللهعليهوسلم قال : «إن المؤمن لينضى شيطانه ـ أى ليقهره ـ كما ينضى أحدكم بعيره في السفر» (٣).
وقال الجمل في حاشيته : وهذه الآية تدل على أن المعصوم من عصمه الله. وأن الإنسان لا يمكنه أن يحترز بنفسه عن مواقع الضلال ، لأنه لو كان الإقدام على الحق ، والإحجام عن الباطل إنما يحصل للإنسان من نفسه ، لوجب أن يقال : وكفى بالإنسان نفسه في الاحتراز عن الشيطان. فلما لم يقل ذلك ، بل قال : وكفى بربك وكيلا. علمنا أن الكل من الله. ولهذا قال المحققون : لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعته إلا بقوته. (٤).
وبعد أن بين ـ سبحانه ـ لبنى آدم ما يبيته إبليس من عداوة وبغضاء ، أتبع ذلك ببيان جانب من نعمه ـ تعالى ـ عليهم في البر والبحر وفي السراء والضراء فقال ـ عزوجل ـ :
__________________
(١) سورة النحل الآيتان ٩٩ ، ١٠٠.
(٢) سورة الحجر الآية ٤٢.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٣ ص ٥٠.
(٤) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٦٢٥.