وإذ في قوله (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى) ظرف لأعلم.
ولفظ (نَجْوى) مصدر بمعنى التناجي والمسارة في الحديث. وقد جعلوا عين النجوى على سبيل المبالغة ، كما في قولهم : قوم عدل.
ويجوز أن يكون جمع نجىّ ، كقتلى جمع قتيل أى : وإذ هم متناجون في أمرك.
والمعنى : نحن ـ أيها الرسول الكريم ـ على علم تام بأحوال المشركين عند استماعهم للقرآن الكريم. حين تتلوه عليهم ، وبالطريقة التي يستمعون بها وبالغرض الذي من أجله يستمعون إليك. وعلى علم تام بأحوالهم حين يستمعون إليك فرادى : وحين يستمعون إليك ثم يتناجون فيما بينهم بالإثم والعدوان ، والتواصي بمعصيتك.
فالجملة الكريمة وعيد شديد للمشركين على استماعهم المصحوب بالاستهزاء والسخرية من الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن القرآن. وتسلية له صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم ، وبيان لشمول علم الله ـ تعالى ـ لكل أحوالهم الظاهرة والخفية.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) بدل من قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى).
والمسحور. هو الذي سحر فاختلط عقله ، وزالت عنه الهيئة السوية.
أى : ونحن أعلم بهؤلاء الأشقياء ـ أيضا ـ عند ما يقول بعضهم لبعض : لا تتبعوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فيما يدعو إليه ، فإنكم إن اتبعتموه تكونون قد اتبعتم رجلا مسحورا ، أصابه السحر فأخرجه عن وعيه وعقله.
وقال ـ سبحانه ـ : (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ) بالإظهار دون الإضمار ، لتسجيل الظلم عليهم فيما تفوهوا به ، وأنهم سيستحقون عقوبة الظالم.
وقوله ـ تعالى ـ : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) تسلية عظيمة للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وتثبيت له وللمؤمنين على الطريق الحق الذي هداهم الله ـ تعالى ـ إليه.
أى : انظر وتأمل ـ أيها الرسول الكريم ـ كيف أن هؤلاء المشركين. قد بلغ بهم الجحود والفجور ، أنهم مثلوا لك الأمثال ، فوصفوك تارة بأنك مسحور ، وتارة بأنك شاعر.
وهم في وصفهم هذا ، قد ضلوا عن الحق ضلالا بعيدا ، وصاروا كالحيران الذي التبست عليه الطرق ، فأمسى لا يعرف السبيل الذي يسلكه.
هذا ، وقد ذكر الإمام ابن كثير رحمة الله ـ عند تفسيره لهذه الآيات ، ما يدل على أن