وَحِينَ الْبَأْسِ ، أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (١).
وبعد أن أمر ـ سبحانه ـ بالوفاء بصفة عامة ، أتبع ذلك بالوفاء في شئون البيع والشراء ، فقال ـ تعالى ـ : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ ، وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ، ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
والقسطاس : الميزان الذي يوزن به في حالتي البيع والشراء.
قال صاحب الكشاف : قرئ «بالقسطاس» بكسر القاف وضمها .. قيل : كل ميزان صغر أو كبر من موازين الدراهم وغيرها (٢).
وقال الآلوسى ما ملخصه : وهذا اللفظ رومي معرب .. وقيل : عربي .. وعلى القول بأنه رومي معرب ـ وهو الصحيح ـ لا يقدح استعماله في القرآن في عربيته المذكورة في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) لأنه بعد التعريب والسماع في فصيح الكلام ، يصير عربيا ، فلا حاجة إلى إنكار تعريبه .. (٣).
وقوله : (تَأْوِيلاً) من الأول ـ بفتح الهمزة وسكون الواو ـ بمعنى الرجوع. يقال : آل هذا الأمر إلى كذا ، إذا رجع إليه.
والمعنى : وأتموا أيها المؤمنون الكيل إذا كلتم لغيركم عند بيعكم لهم ما تريدون بيعه ، وزنوا لهم كذلك بالميزان المستقيم العادل ما تريدون وزنه لهم.
وقيد ـ سبحانه ـ الأمر بوجوب إتمام الكيل والميزان في حالة البيع ، لأنها الحالة التي يكون فيها التطفيف في العادة ، إذ أن البائع هو الذي غالبا ما يطفف للمشتري في المكيال والميزان ولا يعطيه حقه كاملا.
قال ـ تعالى ـ : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
أى : ذلك الذي أمرناكم به. من وجوب إتمام المكيال والميزان عند التعامل ، خير لكم في الدنيا ، لأنه يرغب الناس في التعامل معكم ، أما في الآخرة فهو أحسن عاقبة ومآلا ، لما يترتب عليه من الثواب الجزيل لكم من الله ـ عزوجل ـ.
ثم ختم ـ سبحانه ـ تلك التوجيهات السامية السديدة ، بالنهى عن تتبع مالا علم للإنسان به ، وعن الفخر والتكبر والخيلاء .. فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) سورة البقرة الآية ١٧٧.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٤٨.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١٥ ص ٧٢.