ثم أرشدهم ـ سبحانه ـ إلى ما هو أسمى من مقابلة الشر بمثله فقال : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ).
والضمير في قوله (لَهُوَ) يعود إلى المصدر في قوله (صَبَرْتُمْ) ، والمصدر إما أن يراد به الجنس فيكون المعنى : ولئن صبرتم فالصبر خير للصابرين ، وأنتم منهم.
وإما أن يراد به صبرهم الخاص فيكون المعنى : ولئن صبرتم عن المعاقبة بالمثل ، لصبركم خير لكم ، فوضع ـ سبحانه ـ الصابرين موضع لكم على سبيل المدح لهم ، والثناء عليهم بصفة الصبر.
هذا ، وقد ذكر جمع من المفسرين أن هذه الآية الكريمة نزلت في أعقاب غزوة أحد ، بعد أن مثل المشركون بحمزة ـ رضى الله عنه ـ.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : روى الحافظ البزار عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب حين استشهد. فنظر الى منظر لم ينظر أوجع للقلب منه.
وقد مثل المشركون به. فقال صلىاللهعليهوسلم : رحمة الله عليك ، لقد كنت وصولا للرحم ، فعولا للخيرات. والله لولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من بطون السباع. أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك. فنزلت هذه الآية. فكفر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن يمينه.
ثم قال ابن كثير بعد روايته لهذا الحديث : وهذا إسناد فيه ضعف لأن أحد رواته وهو «صالح بن بشير المري» ضعيف عند الأئمة. وقال البخاري هو منكر الحديث.
ثم قال ابن كثير ـ رحمهالله ـ : وروى عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه عن أبى بن كعب ، قال : لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا ، ومن المهاجرين ستة ، فقال أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لئن كان لنا يوم مثل هذا اليوم من المشركين لنمثلن بهم ، فلما كان يوم الفتح قال رجل : لا تعرف قريش بعد اليوم. فنادى مناد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أمن الأبيض والأسود إلا فلانا وفلانا ـ ناسا سماهم ـ ، فنزلت الآية.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «نصبر ولا نعاقب» (١).
والذي نراه أن الآية الكريمة ـ حتى ولو كان سبب نزولها ما ذكر ـ إلا أن التوجيهات التي
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٩٦.