وقوله (مَسْحُورُونَ) اسم مفعول من السحر ، بمعنى الخداع والتخييل والصرف عن الشيء إلى غيره.
والمعنى : أن هؤلاء المشركين بلغ بهم الغلو في الكفر والعناد ، أننا لو فتحنا لهم بابا من أبواب السماء ، ومكناهم من الصعود إليه ، فظلوا في ذلك الباب يصعدون ، ويطلعون على ملكوت السموات وما فيها من الملائكة والعجائب لقالوا بعد هذا التمكين والاطلاع ـ لفرط عنادهم وجحودهم ـ إنما أبصارنا منعت من الإبصار ، وما نراه ما هو إلا لون من الخداع والتخييل والصرف عن إدراك الحقائق بسبب سحر محمد صلىاللهعليهوسلم لنا وعلى هذا التفسير الذي سار عليه جمهور المفسرين ، يكون الضمير في قوله (فَظَلُّوا) يعود إلى هؤلاء المشركين المعاندين.
وقيل الضمير للملائكة ، فيكون المعنى : فظل الملائكة في هذا الباب يعرجون ، والكفار يشاهدونهم وينظرون إليهم ، فقالوا ـ أى الكفار ـ بعد كل ذلك ، «إنما سكرت أبصارنا ..».
وعلى كلا الرأيين فالآية الكريمة تصور أكمل تصوير ، مكابرة الكافرين وعنادهم المزرى.
وعبر ـ سبحانه ـ بقوله (فَظَلُّوا ..) ليدل على أن عروجهم كان في وضح النهار ، بحيث لا يخفى عليهم شيء مما يشاهدونه.
وجمعوا في قولهم بين أداة الحصر (إِنَّما) وبين أداة الإضراب (بَلْ) للدلالة على البت بأن ما يرونه لا حقيقة له ، بل هو باطل ، وما يرونه ما هو إلا من تخيلات المسحور.
وقالوا «بل نحن قوم مسحورون» ولم يقولوا بل نحن مسحورون ، للإشعار بأن السحر قد تمكن منهم جميعا ، ولم يخص بعضا منهم دون بعض.
قال الشوكانى : وفي هذا البيان لعنادهم العظيم الذي لا يقلعهم عنه شيء من الأشياء كائنا ما كان ، فإنهم إذا رأوا آية توجب عليهم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، نسبوا إلى أبصارهم أن إدراكها غير حقيقى لعارض الانسداد أو أن عقولهم قد سحرت فصار إدراكهم غير صحيح. ومن بلغ في التعنت إلى هذا الحد ، فلا تنفع فيه موعظة ولا يهتدى بآية» (١).
وبذلك نجد السورة الكريمة قد حدثتنا في خمس عشرة آية من مطلعها إلى هنا ، عن سمو
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٣ ص ١٢٣.