فقال ـ تعالى ـ : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً ...).
والظلال : جمع ظل ، وهو ما يستظل به الإنسان.
أى : والله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه جعل لكم ما تستظلون به من شدة الحر والبرد ، كالأبنية والأشجار ، وغير ذلك من الأشياء التي تستظلون بها.
وقوله ـ تعالى ـ (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً ...) نعمة ثانية.
والأكنان جمع كن ـ بكسر الكاف ـ وأصله السّترة ، والجمع : أكنان وأكنّة ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ...) (١) أى في أستار وأغطية فلا يصل إليها قولك ...
والمراد بالأكنان هنا : المغارات والأسراب والكهوف المنحوتة في بطون الجبال.
أى : وجعل لكم ـ سبحانه ـ من الجبال مواضع تستترون فيها من الحر أو البرد أو المطر ، أو غير ذلك من وجوه انتفاعكم بتلك الأكنان.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) نعمة ثالثة. والسرابيل : جمع سربال وهي كل ما يتسربل به : أى يلبسه الناس للتستر والوقاية كالقمصان والثياب والدروع وغيرها. أى : وجعل لكم من فضله وكرمه ملابس تتقون بها ضرر الحر وضرر البرد ، وملابس أخرى هي الدروع وما يشبهها ـ تتقون بها الضربات والطعنات التي تسدد إليكم في حالة الحرب.
وقال ـ سبحانه ـ : (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) مع أنها تقى من الحر والبرد ، اكتفاء بذكر أحد الضدين عن الآخر ، أو اكتفى بذكر الحر لأنه الأهم عندهم ، إذ من المعروف أن بلاد العرب يغلب عليها الحر لا البرد.
قال صاحب الكشاف : لم يذكر البرد ، لأن الوقاية من الحر أهم عندهم ، وقلما يهمهم البرد لكونه يسيرا محتملا ، وقيل : ما يقي من الحر يقي من البرد ، فدل ذكر الحر على البرد (٢).
وقال القرطبي : قال العلماء : في قوله ـ تعالى ـ : (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) دليل
__________________
(١) سورة فصلت الآية ٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٦٢٦.