فيكون المعنى : لا جرم أن لهم النار ، وأنهم مفرطون ومسرفون في الأقوال والأعمال التي جعلتهم حطبا لها ، ووقودا لنيرانها كما قال ـ تعالى ـ : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (١).
ثم وجه ـ سبحانه ـ خطابا لنبيه صلىاللهعليهوسلم على سبيل التسلية والتثبيت ، حيث بين له أن ما أصابه من مشركي قومه ، قد فعل ما يشبهه المشركون السابقون مع أنبيائهم ، فقال ـ تعالى ـ : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ ، فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ، فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
وقوله (فَزَيَّنَ) من التزيين وهو تصيير الشيء زينا ، أى : حسنا والزينة : هي ما في الشيء من محاسن ترغب الناس فيه.
والمعنى : أقسم لك ـ أيها الرسول الكريم ـ بذاتى ، لقد أرسلنا رسلا كثيرين إلى أمم كثيرة من قبلك ، فكانت النتيجة أن استحوذ الشيطان على نفوس عامة هؤلاء المرسل إليهم ، حيث زين لهم الأفعال القبيحة ، وقبح لهم الأعمال الحسنة ، وجعلهم يقفون من رسلهم موقف المكذب لأقوالهم ، المعرض عن إرشاداتهم ، المحارب لدعوتهم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بيان لسوء عاقبة هؤلاء الذين زين لهم الشيطان سوء أعمالهم فرأوه حسنا.
قال الإمام الشوكانى ما ملخصه : والمراد باليوم في قوله ـ تعالى ـ : (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) يحتمل أن يكون المراد به زمان الدنيا ـ أى مدة أيام الدنيا ـ فيكون المعنى : فهو قرينهم في الدنيا. ويحتمل أن يكون اليوم عبارة عن يوم القيامة وما بعده. فيكون للحال الآتية. ويكون الولي بمعنى الناصر. والمراد نفى الناصر عنهم بأبلغ الوجوه ، لأن الشيطان لا يتصور منه النصرة أصلا في الآخرة.
ويحتمل أن يكون المراد باليوم بعض زمان الدنيا ، وهو على وجهين : الأول أن يراد البعض الذي مضى ، وهو الذي وقع فيه التزيين للأمم الماضية من الشيطان ، فيكون على طريق الحكاية للحال الماضية .. الثاني : أن يراد البعض الحاضر ، وهو وقت نزول الآية. والمراد تزيين الشيطان لكفار قريش أعمالهم ، فيكون الضمير في «وليهم» لكفار قريش. فيكون المعنى : فهو ولى هؤلاء المشركين اليوم أى : معينهم على الكفر والمعاصي ولهم ولأمثالهم عذاب أليم في الآخرة» (٢).
__________________
(١) سورة غافر الآية ٤٣.
(٢) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٣ ص ١٧٣.