قال القرطبي في المراد بالحسنة هنا ستة أقوال : نزول المدينة ؛ قاله ابن عباس والحسن .. الثاني : الرزق الحسن. قاله مجاهد. الثالث : النصر على عدوهم ، قاله الضحاك ، الرابع : لسان صدق ، حكاه ابن جريج. الخامس : ما استولوا عليه من البلاد .. السادس : ما بقي لهم في الدنيا من ثناء ، وما صار فيها لأولادهم من الشرف.
ثم قال : وكل ذلك قد اجتمع لهم بفضل الله ـ تعالى ـ» (١).
والمعنى : والذين هاجروا في سبيل الله ، وفارقوا قومهم وأوطانهم وأموالهم وأولادهم .. من أجل إعلاء كلمته ، بعد أن تحملوا الكثير من أذى المشركين وظلمهم وطغيانهم.
هؤلاء الذين فعلوا ذلك من أجل نصرة ديننا ، لنسكننهم في الدنيا مساكن حسنة يرضونها ، ولنعطينهم عطاء حسنا يسعدهم ، ولننصرنهم على أعدائهم نصرا مؤزرا.
وقوله «في الله» أى : في سبيله ، ومن أجل نصرة دينه. فحرف «في» مستعمل للتعليل ، كما في قوله صلىاللهعليهوسلم : «دخلت امرأة النار في هرة حبستها ...».
والمقصود أن هذا الأجر الجزيل إنما هو للمهاجرين من أجل إعلاء كلمة الله ، ومن أجل نصرة الحق ، وليس لمن هاجر لنشر الظلم أو الفساد في الأرض.
وأسند فعل «ظلموا» إلى المجهول ، لظهور الفاعل من السياق وهو المشركون.
وفي ذلك إشارة إلى أن هؤلاء المهاجرين لم يفارقوا ديارهم ، إلا بعد أن أصابهم ظلم أعدائهم لهم ، كتعذيبهم إياهم ، وتضييقهم عليهم ، إلى غير ذلك من صنوف الأذى.
وأكد ـ سبحانه ـ الجزاء الحسن الذي وعدهم به باللام وبنون التوكيد «لنبوئنهم ..» ، زيادة في إدخال السرور والطمأنينة على قلوبهم ، وجبرا لكل ما اشتملت عليه الهجرة من مصاعب وآلام وأضرار.
إذ الحسنة ـ كما قلنا ـ تشمل كل حسن أعطاه الله ـ تعالى ـ للمهاجرين في هذه الدنيا.
أما في الآخرة فأجرهم أعظم ، وثوابهم أجزل ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
والضمير في قوله «لو كانوا يعلمون» يعود على أعدائهم الظالمين.
أى : ولثواب الله ـ تعالى ـ لهم في الآخرة على هجرتهم من أجل إعلاء كلمته ، أكبر
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ١٠٧.