افتتحت السورة الكريمة ، بتهديد الكافرين الذين كانوا ينكرون البعث ، وما يترتب عليه من ثواب أو عقاب ، ويستبعدون نصر الله ـ تعالى ـ لأوليائه ، فقال ـ تعالى ـ : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) والفعل «أتى» هنا ، بمعنى قرب ودنا بدليل «فلا تستعجلوه» ، لأن المنهي عن الاستعجال يقتضى أن الأمر الذي استعجل حصوله لم يحدث بعد.
والمراد بأمر الله : ما اقتضته سنته وحكمته ـ سبحانه ـ من إثابة المؤمنين ونصرهم ، وتعذيب الكافرين ودحرهم.
والفاء في قوله «فلا تستعجلوه» للتفريع. والاستعجال : طلب حصول الشيء قبل وقته. والضمير المنصوب في «تستعجلوه» يعود على «أمر الله» ، لأنه هو المتحدث عنه ، أو على «الله» ـ تعالى ـ ، فلا تستعجلوا الله فيما قضاه وقدره.
والمعنى : قرب ودنا مجيء أمر الله ـ تعالى ـ وهو إكرام المؤمنين بالنصر والثواب ، وإهانة الكافرين بالخسران والعقاب ، فلا تستعجلوا ـ أيها المشركون ـ هذا الأمر ، فإنه آت لا ريب فيه ، ولكن في الوقت الذي يحدده الله تعالى ـ ويشاؤه.
وعبر عن قرب إتيان أمر الله ـ تعالى ـ بالفعل الماضي «أتى» للإشعار بتحقق هذا الإتيان ، وللتنويه بصدق المخبر به ، حتى لكأن ما هو واقع عن قريب ، قد صار في حكم الواقع فعلا. وفي إبهام أمر الله ، إشارة إلى تهويله وتعظيمه ، لإضافته إلى من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
قوله «فلا تستعجلوه» زيادة في الإنذار والتهديد ، أى : فلا جدوى من استعجالكم ، فإنه نازل بكم سواء استعجلتم أم لم تستعجلوا.
والظاهر أن الخطاب هنا للمشركين ، لأنهم هم الذين كانوا يستعجلون قيام الساعة ، ويستعجلون نزول العذاب بهم ، وقد حكى القرآن عنهم ذلك في آيات :
منها قوله ـ تعالى ـ : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها ، وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ، أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (١).
ومنها قوله ـ سبحانه ـ : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ. وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (٢).
__________________
(١) سورة الشورى. الآية ١٨.
(٢) سورة الحج. الآية ٤٧.