ما كسبوا ، (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) : المشركين ، يعنى قريشا ، (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) من الكفر والمعاصي ، كما أصاب أولئك. والسين للتأكيد. وقد أصابهم ذلك ، حيث قحطوا سبع سنين ، وقتل صناديدهم يوم بدر. (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) : بفائتين من عذاب الله
الإشارة : هذه الخصال الذميمة توجد فى كثير من هذه الأمة ، إذا أصابت العبد شدة أو قهرية رجع إلى الله ، فإذا فرج عنه بسبب عادى ، كما هو دأب عالم الحكمة ، أسند الفرج إلى ذلك السبب ، فيقول : فلان فرج عنى ، أو الدواء الفلاني شفانى ، وهو شرك ، كاد أن يكون جليا. والواجب : النظر إلى فعل الله وقدرته ، وإسقاط الوسائط من نظره ، ولو وجدت حكمة ، فالكمال فعلها وجودا ، والغيبة عنها شهودا. وبالله التوفيق.
ثم ذكر ما جرت به عادته فى خلقه ، من تعاقب العسر واليسر ، والقبض والبسط ، فقال :
(أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢))
يقول الحق جل جلاله : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا) أي : أقالوا ذلك ولم يعلموا ، أو : أغفلوا ولم يعلموا (أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) أي : يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي : يضيق لمن يشاء بلا سبب ولا علة ، أو : يجعله على قدر القوت من غير زيادة ولا نقصان ، وهو من إتمام النّعمة. وفى الحكم : «من تمام النّعمة عليك أن يعطيك ما يكفيك ، ويمنعك ما يطغيك» (١). (إِنَّ فِي ذلِكَ) : البسط والقبض (لَآياتٍ) دالة على أن الحوادث كلها من الله بلا واسطة ، (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، إذ هم المستدلون بها على أن القابض والباسط هو الله ، دون غيره.
الإشارة : قد يبسط الله الرّزق لمن لا خلاق له عنده ، ويقبضه عن أحب الخلق إليه ، وهو الغالب ، فرزق المتقين كفاف ، ورزق المترفين جزاف.
ولما وبّخ المشركين ، وأطنب الكلام فيه ، وأبرق وأرعد ، رغّب فى التوبة للكافة ، استعطافا وترغيبا بعد الترهيب ، فقال :
__________________
(١) انظر الحكم ، بتبويب المتقى الهندي / ص ٣٧ حكمة ٢٢٥.