وفى صحيح مسلم : أنه انشق مرتين (١) ، وصرح فى شرح المواقف بأن انشقاقه متواتر. ه. وقيل : معناه ؛ انشق ، أي : ينشق يوم القيامة ، وهو ضعيف ، ولا يقال : لو انشقّ لما خفى على أهل الأقطار ، ولو ظهر عندهم لنقل متواترا ؛ لأن الطباع جبلت على نشر العجائب ، لأنه يجوز أن يحجبه الله عنهم بغيم أو غيره ، مع أنه كان ليلا ، وجلّ النّاس نائمون ، وأيضا : عادة الله ـ تعالى ـ فى معجزاته أنه لا يراها إلّا من ظهرت لأجله فى الغالب.
تنبيه : قال القسطلاني فى المواهب اللدنية : ما يذكره بعض القصاص أن القمر دخل فى جيب النّبى صلىاللهعليهوسلم وخرج من كمه ، ليس له أصل ، كما حكاه الزركشي عن شيخه العماد ابن كثير. ه.
(وَإِنْ يَرَوْا) أي : أهل مكة (آيَةً) تدل على صدق رسوله صلىاللهعليهوسلم (يُعْرِضُوا) عن الإيمان (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) ؛ محكم شديد قوىّ ، من : المرّة ، وهى القوة ، أو : دائم مطّرد. روى : أنه لما انشق ؛ قالوا : هذا سحر ابن أبى كبشة؟ فسلوا السّفار ، فلما قدموا سألوهم ، فقالوا : إنهم قد رأينه ، فقالوا : قد استمر سحره فى البلاد ، فنزلت (٢). قال البيضاوي : دل قوله : (مستمر) على أنهم رأوا قبله آيات أخرى مترادفة ، ومعجزات سابقة. ه. أو : مستمر ؛ ذاهب ومارّ ، يزول ولا يبقى ، من : مرّ الشيء واستمر : ذهب.
(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) الباطلة ، وما زيّن لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره ، حتى قالوا : سحر القمر ، أو : سحر أعيننا ، (وَكُلُّ أَمْرٍ) وعدهم الله به (مُسْتَقِرٌّ) ؛ كائن فى وقته ، أو : كل أمر قدر واقع لا محالة يستقر فى وقته ، أو : كل أمر من الخير والشر يقع بأهله من الثواب والعقاب ، وقرىء «مستقر» بالجر (٣) ، فيعطف على «الساعة» ، أي : اقتربت الساعة وكلّ أمر مستقر ، يعنى : أشراطها.
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي : أهل مكة فى القرآن ؛ (مِنَ الْأَنْباءِ) ؛ من أخبار القرون الماضية ، وكيف أهلكوا بالتكذيب (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) أي : ازدجار عن الكفر والعناد ، يقول : زجرته وازدجرته ، أي : منعته ، وأصله : ازتجر ، افتعل ، من الزجر ، ولكن التاء إذا وقعت بعد زاى ساكنة أبدلت دالا ؛ لأن التاء حرف مهموس ، والزاى حرف مجهور. فأبدل من التاء حرف مجهور ، وهو الدال ؛ ليناسب الميم.
__________________
(١) أخرجه مسلم فى (صفات المنافقين وأحكامهم ، باب انشقاق القمر ح ٢٨٠٢) عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري (٢٧ / ٨٥) وعزاه السيوطي فى الدر (٦ / ١٧٦) لابن المنذر ، وابن مردويه ، وأبى نعيم ، والبيهقي ، كلاهما فى الدلائل ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٣) قرأ أبو جعفر «مستقر» بخفض الرّاء ، صفة ، ورفع (كل) حينئذ بالعطف على «الساعة» ، وقيل : بالابتداء والخبر ، أي : وكلّ أمر مستقر لهم فى القدر بالغوه. وقرأ الباقون بالرفع ، خبر «كل». انظر الإتحاف (٢ / ٥٠٥).