(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) ، وهم قوم هود ، وعاد الأخرى : عاد إرم ، وقيل : معنى الأولى [العدمي] (١) لأنهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح ، وقال الطبري وغيره : سميت «أولى» لأن ثمّ عادا آخرة ، وهى قبيلة كانت بمكة مع العماليق ، وهم بنوا لقيم بن هزّال. والله أعلم. ه (٢). قلت : والتحقيق : أن عادا الأولى هى عاد إرم ، وهى قبيلة هود التي هلكت بالريح ، ثم بقيت منهم بقايا ، فكثروا وعمّروا بعدهم ، فقيل لهم عاد الأخيرة ، وأنظر أبا السعود فى سورة الفجر. (٣) وهاهنا قراءات ، وجّهناها فى كتاب الدرر (٤).
(وَثَمُودَ) (٥) أي : وأهلك ثمودا ، وهم قوم صالح ، (فَما أَبْقى) أحدا منهم ، (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) ؛ وأهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود ، (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) من عاد وثمود ؛ لأنهم كانوا يضربونه حتى لا يكون به حراك ، وينفرون منه حتى كانوا يحذّرون صبيانهم أن يسمعوا منه ، (وَالْمُؤْتَفِكَةَ) أي : والقرى التي ائتفكت ، أي : انقلبت بأهلها ، وهم قوم لوط. يقال : أفكه فائتفك ، أي : قلبه فانقلب ، (والمؤتفكة) منصوب ب (أَهْوى) أي : رفعها إلى السماء على جناح جبريل ، ثم أهواها إلى الأرض ، أي : أسقطها ، (فَغَشَّاها) ؛ ألبسها من فنون العذاب (ما غَشَّى) ، وفيه تهويل لما صبّ عليها من العذاب ، وأمطر عليها من الصخر المنضود.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) أيها المخاطب (تَتَمارى) أي : تتشكك؟ ، أي : فبأى نعم من نعم مولاك تحجد ولا تشكر؟ فكم أولاك من النّعم ، ودفع عنك من النّقم ، وتسمية الأمور المتعددة قبل نعما مع أن بعضها نقم ؛ لأنها أيضا نعم من حيث إنها نصرة الأنبياء والمرسلين ، وعظة وعبرة للمعتبرين. (هذا نَذِيرٌ) أي : محمد منذر (مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) ؛ من المنذرين الأولين ، وقال : «الأولى» على تأويل الجماعة ، أو : هذا القرآن نذير من النّذر الأولى ، أي : إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم.
__________________
(١) فى تفسير أبى السعود [القدماء].
(٢) العبارة بالمعنى ، ونصها كما فى تفسير الطبري (٢٧ / ٧٨) : «وإنما مثل لعاد بن إرم : عاد الأولى ، لأن بنى لقيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن ضد بن عاد الأكبر ، كانوا أيام أرسل الله تعالى على عاد الأكبر عذابه ، سكانا بمكة مع إخوانهم من العمالقة».
(٣) عند تفسير الآية السادسة من سورة الفجر ، وانظر تفسير أبى السعود ٩ / ١٥٤.
(٤) للشيخ ابن عجيبة ـ رحمهالله تعالى ـ مؤلف فى القراءات ، سماه «الدرر المتناثرة فى توجيه القراءات المتواترة» وهو كما يقول ابن عجيبة فى الفهرسة : تأليف يشتمل على آداب القراءة والتعريف بالشيوخ العشرة ، ورواتهم ، وتوجيه قراءة كلّ واحد منهم ، وفيه عشرون كراسة. انظر الفهرسة / ٣٨.
(٥) أثبت المفسر قراءة «ثمودا» بالتنوين ، وقرأ عاصم وحمزة ويعقوب بغير تنوين. والباقون بالتنوين. انظر الإتحاف (٢ / ٥٠٣).