الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣) فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢))
يقول الحق جل جلاله فى بقية ذكر ما فى الصحف الأولى : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) أي : الانتهاء ، أي : ينتهى إليه الخلق ويرجعون ، إليه كقوله : (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (١) أو : ينتهى علم العلماء إليه ثم يقفون ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا فكرة فى الرّب» (٢) أي : كنه الذات ، وسيأتى فى الإشارة. (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) أي : خلق الضحك والبكاء ، أو : خلق الفرح والحزن ، أو : أضحك المؤمنين فى الآخرة ، وأبكى الكافرين ، أو : أضحك المؤمنين فى العقبى بالمواهب وأبكاهم فى الدنيا بالنوائب ، (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) أي : أمات الآباء وأحيا الأبناء ، أو : أمات بالكفر وأحيا بالإيمان.
(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ، مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) : إذ تدفق وتدفع فى الرّحم. يقال : منى وأمنى ، (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) الإحياء بعد الموت ، (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى) أي : صيّر الفقير غنيا (وَأَقْنى) أي : أعطى القنية ، وهو المال الذي تأثّلته (٣) ، وعزمت ألّا تخرجه من يدك. (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) ، وهو كوكب يطلع بعد الجوزاء فى شدة الحر ، وكانت خزاعة تعبدها. سنّ لهم ذلك «ابن أبى كبشة» رجل من أشرافهم ، قال : لأن النّجوم تقطع السماء عرضا ، والشعرى طولا ، ويقال لها : شعرى العبور. انظر الثعلبي. وكانت قريش تقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ابن أبى كبشة ، تشبيها له صلىاللهعليهوسلم به ، لمخالفته إياهم فى دينهم ، فأخبر تعالى أنه ربّ معبودهم ، فهو أحق بالعبادة وحده.
__________________
(١) من الآية ٤٨ من سورة الحج.
(٢) أخرجه البغوي فى التفسير (٧ / ٤١٧) وزاده السيوطي عزوه فى الدر (٦ / ١٧٠) للدارقطنى فى الأفراد ، عن أبى بن كعب.
وهذا مثل ما روى عن ابن عباس مرفوعا : «تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق ، فإنكم لن تقدروا» عزاه السيوطي فى الدر (٦ / ١٧٠) لأبى الشيخ فى العظمة. وانظر : كشف الخفاء ٨ / ٣٧١ ، وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى ٤ / ٣٩٧.
(٣) المتأثل : الجامع. والتأثل اتخاذ أصل مال ، وكلّ شىء له أصل قديم ، أو جمع حتى يصير له أصل ، فهو مؤثّل.
انظر اللسان (أثل ١ / ٢٨).