الإسلام ، وهى ثلاثون ، عشرة فى التوبة : (التَّائِبُونَ ...) (١) إلخ ، وعشرة فى الأحزاب : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ ...) (٢) وعشرة فى المؤمنين : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ). وقيل : وفىّ حيث أسلم بدنه للنيران ، وولده للقربان ، وطعامه للضيفان. وروى : أنه كان يوم يضيف ضيفا ، فإن وافقه أكرمه ، وإلّا نوى الصوم (٣). وتقديم موسى لأنّ صحفه وهى التوراة أكثر وأشهر.
ثم فسّر ما فى تلك الصحف فقال : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي : أنه لا تحمل نفس وازرة وزر نفس أخرى ، بل كلّ نفس تستقل بحمل وزرها ، يقال : وزر يزر إذا اكتسب وزرا ، و «أن» مخففة ، وكأنّ قائلا قال : ما فى صحف موسى وإبراهيم؟ فقال : ألّا تحمل نفس مثقلة بوزرها وزر نفس أخرى.
(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) هو أيضا مما فى صحف موسى وإبراهيم ، وهو بيان لعدم انتفاع الإنسان بعمل غيره ، إثر بيان عدم انتفاعه من حيث رفع الضرر عنه به ، وأما ما صح من الأخبار فى الصدقة عن الميت والحج عنه ، فلأنه لمّا نواه عنه كان كالوكيل عنه ، فهو نائب عنه.
قال ابن عطية : الجمهور أنّ قوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) محكم لا نسخ فيه ، وهو لفظ عام مخصّص. ه. يعنى : أن المراد : الكافر ، وهكذا استقرئ من لفظ «الإنسان» فى القرآن ، وأما المؤمن فجاءت نصوص تقتضى انتفاعه بعمل غيره ، إذا وهب له من صدقة ودعاء وشفاعة واستغفار ، ونحو ذلك ، وإلّا لم يكن فائدة لمشروعية ذلك ، فيتصور التخصيص فى لفظ «الإنسان» وفى السعى ، بأن يخص الإنسان بالكافر ، أو السعى بالصلاة ، ونحو ذلك مما لا يقبل النّيابة مثلا. والحاصل : أن الإيمان سعى يستتبع الانتفاع بسعى الغير ، بخلاف من ليس له الإيمان. ه. قاله الفاسى : وكان عز الدين يحتج بهذه الآية فى عدم وصول ثواب القراءة للميت ، فلما مات رؤى فى النّوم ، فقال : وجدنا الأمر خلاف ذلك.
قلت : أما فى الأجور فيحصل الانتفاع بسعى الغير ، إن نواه له ، وأما فى رفع الستور ، وكشف الحجب ، والترقي إلى مقام المقربين ، فالآية صريحة فيه ، لا تخصيص فيها ؛ إذ ليس للإنسان من حلاوة المشاهدة والقرب إلا بقدر ما سعى من المجاهدة. والله تعالى أعلم.
__________________
(١) الآية ١١٢ من سورة التوبة.
(٢) الآية ٣٥ من سورة الأحزاب.
(٣) قال أبو حيان فى البحر المحيط ٨ / ١٦٤ : وللمفسرين أقوال غير هذه ، وينبغى أن تكون هذه الأقوال أمثلة لما وفّى ، لا على سبيل التعيين. ه.