(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) ، وصفت بالعقيم لأنها أهلكتهم ، وقطعت دابرهم ، أو : لأنها لم تتضمن خيرا ما ، من إنشاء مطر ، أو إلقاح شجر ، وهى الدّبور ، على المشهور ، لقوله عليهالسلام : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور» (١) ، (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) أي : مرت عليه (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) ؛ وهو كلّ ما رمّ ، أي : بلى وتفتت ، من عظم ، أو نبات ، أو غير ، والمعنى : ما تركت شيئا هبت عليه من أنفسهم وأموالهم إلا أهلكته.
(وَفِي ثَمُودَ) آية أيضا (إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) ، تفسيره قوله تعالى : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) (٢) ، روى أن صالحا قال لهم : تصبح وجوهكم غدا مصفرة ، وبعد غد محمرة ، وفى الثالث مسودة ، ثم يصحبكم العذاب ، (فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) ؛ استكبروا عن الامتثال ، (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) ؛ العذاب ، وكلّ عذاب مهلك صاعقة. قيل : لما رأوا العلامات من اصفرار الوجوه ، واحمرارها ، واسودادها ، التي بينت لهم ، عمدوا إلى قتله عليهالسلام فنجّاه الله تعالى إلى أرض فلسطين ، وتقدم فى النّمل (٣) ، ولمّا كان ضحوة اليوم الرّابع تحنطوا وتكفنوا بالأنطاع ، فأتتهم الصيحة ، فهلكوا ، كبيرهم وصغيرهم وهم ينظرون إليها ، ويعاينونها جهرا ، (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) ؛ من هرب ، أو هو من قولهم : ما يقوم بهذا الأمر : إذا عجز عن دفعه. (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ؛ ممتنعين من العذاب بغيرهم ، كما لم يمتنعوا بأنفسهم.
(وَقَوْمَ نُوحٍ) أي : وأهلكنا قوم نوح ؛ لأن ما قبله يدل عليه ، أو : واذكر قوم نوح ، ومن قرأ بالجر (٤) فعطف على ثمود ، أي : وفى قوم نوح آية ، ويؤيده قراءة عبد الله «وفى قوم نوح» (مِنْ قَبْلُ) أي : قبل هؤلاء المذكورين ، (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) ؛ خارجين عن الحدود بما كانوا فيه من الكفر والمعاصي وإذاية نوح عليهالسلام.
(وَالسَّماءَ بَنَيْناها) من باب الاشتغال ، أي : بنينا السماء ، بنيناها (بِأَيْدٍ) ؛ بقوة ، والأيد : القوة ، (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) ؛ لقادرين ، من الوسع ، وهو الطاقة ، والموسع : القوىّ على الإنفاق ، أو : لموسعون بين السماء والأرض ، أو : لموسعون الأرزاق على من نشاء ، وهو تتميم كما تمم ما بعده بقوله : (فنعم الماهدون) لزيادة الامتنان.
(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) ؛ بسطناها ومهّدناها ؛ لتستقروا عليها ، (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) نحن. (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ؛ نوعين ؛ ذكر وأنثى ، وقيل : متقابلين ، السماء والأرض ، والليل والنّهار ، والشمس والقمر ، والبر والبحر ،
__________________
(١) متفق عليه ، وسبق تخريجه عند تفسير الآية ٤٦ من سورة الرّوم (٤ / ٣٤٩).
(٢) من الآية ٦٥ من سورة هود.
(٣) راجع تفسير الآيات ٤٨ ـ ٥٣ من سورة النّمل ، فى المجلد الرّابع (ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣).
(٤) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف (وقوم) بجر الميم ، وقرأ الباقون بنصبها. راجع الإتحاف ٢ / ٤٩٣.