شأن ربنا لعظيم ، وإن ورائي أرضا ميسرة خمسمائة عام ، فى عرض خمسمائة عام ، من ثلج يحطم بعضه بعضا ، لولا ذلك الثلج لاحترقت من نار جهنم. ه.
(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) أي : ذى المجد والشرف على سائر الكتب ، أو : لأنه كلام مجيد ، من علم معانيه وعمل بما فيه مجد عند الله وعند النّاس. وجواب القسم محذوف ، أي : إنك لرسول نذير ، أو : لتبعثن ، بدليل قوله : (أَإِذا مِتْنا ..) إلخ ، أو : إنا أنزلناه إليك لتنذر به فلم يؤمنوا ، (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ) أي : لأن جاءهم (مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) ؛ من جنسهم ، لا من جنس الملائكة ، أو : من جلدتهم ، وهو إنكار لتعجّبهم مما ليس بعجب ، وهو أن يخوفهم من غضب الله رجل منهم قد عرفوا عدالته وأمانته ، ومن كان كذلك لم يكن إلا ناصحا لقومه ، خائفا أن ينالهم مكروه وإذا علم أن مخوفا أظلهم لزمه أن ينذرهم ، فكيف بما هو غاية المخاوف؟ أو إنكار لتعجّبهم مما أنذرهم به من البعث مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السموات والأرض وما بينهما ، وإقرارهم بالنشأة الأولى ، مع شهادة العقل بأنه لا بدّ من الجزاء ، وإلا كان إنشاء الخلق عبثا. ثم بيّن تعجبهم بقوله : (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) أي : هذا الذي يقوله محمد من البعث بعد الموت شىء عجيب ، أو : كون محمد منذرا بالقرآن شىء يتعجب منه. ووضع «الكافرون» موضع الضمير للدلالة على أنهم فى قولهم هذا مقدمون على كفر عظيم.
ثم قالوا : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) أي : أنبعث حين نموت ونصير ترابا كما يقوله هذا النّذير؟ (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي : ذلك البعث بعد هذه الحالة رجوع مستبعد ، منكر ، بعيد من الوهم والعادة. فالعامل فى «إذا» محذوف مفهوم من الكلام كما قدرنا. قال تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ، وهو ردّ لاستبعادهم ؛ فإنّ من عمّ علمه ولطفه حتى ينتهى إلى حيث علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى ، وتأكل من لحومهم وعظمهم ، كيف يستبعد رجعه إياهم أحياء كما كانوا؟! عن النّبى صلىاللهعليهوسلم : «كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذّنب ، ومنه خلق ، وفيه يركّب» (١) وهو العصعص ، وقال فى المصباح : العجب (٢) ـ كفلس ـ من كلّ دابة : ما انضم عليه الورك من أصل الذّنب. ه. وهو عظم صغير قدر الحمصة ، لا تأكله الأرض ، كما لا تأكل أجساد الأنبياء والأولياء والشهداء. قال ابن عطية : حفظ ما تنقص الأرض إنما هو ليعود بعينه يوم القيامة ، وهذا هو الحق. وذهب بعض الأصوليين إلى أن الأجساد المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه ، هذا عندى خلاف ظاهر كتاب الله ، ولو كانت غيرها كيف كانت تشهد الجلود والأيدى والأرجل على الكفرة؟ إلى غير ذلك مما يقتضى أن أجساد الدنيا هى التي تعود. ه.
__________________
(١) أخرجه مسلم فى (الفتن ، باب ما بين النّفختين ح ٢٩٥٥) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه ، وأخرجه البخاري مطولا وبنحوه فى (التفسير ـ سورة الزمر ، باب (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ..) ح ٤٨١٤).
(٢) بسكون الجيم.