ابن حصن ، فهربوا وتركوا عيالهم ، فسباهم عيينة ، ثم قدم رجالهم يفدون الذراري ، فلما رأتهم الذرارىّ أجهشوا إلى آبائهم يبكون ، فعجلوا أن يخرج إليهم النّبى صلىاللهعليهوسلم ، فنادوه حتى أيقظوه من نومه ، فخرج إليهم ، فأطلق النّصف وفادى النصف (١) ، (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؛ بليغ المغفرة والرّحمة واسعهما ، فلن يضيق ساحتهما عن هؤلاء إن تابوا وأصلحوا.
الإشارة : من آداب المريد ألّا يوقظ شيخه من نومه ، ولو بقي ألف سنة ينتظره ، وألّا يطلب خروجه إليه حتى يخرج بنفسه ، وألّا يقف قبالة باب حجرته لئلا يرى بعض محارمه. ومن آدابه أيضا : ألا يبيت معه فى مسكن واحد ، وألّا يأكل معه ، إلا أن يعزم عليه ، وألّا يجلس على فراشه أو سجّادته إلا بأمره ، وإذا تعارض الأمر والأدب ، فهل يقدّم الأمر أو الأدب؟ خلاف ، وقد تقدم فى صلح الحديبية : أن سيدنا عليا ـ كرم الله وجهه ـ قدّم الأدب على الأمر ، حين قال له صلىاللهعليهوسلم : «امح اسم رسول الله من الصحيفة» (٢) ، فأبى ، وقال : «والله لا أمحوك أبدا». والله تعالى أعلم.
ومن جملة الأدب : التأنى فى الأمور وعدم العجلة ، كما أبان ذلك بقوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨))
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ). نزلت فى الوليد بن عقبة بن أبى معيط ، وكان من فضلاء الصحابة ـ رضي الله عنه ـ بعثه النّبى صلىاللهعليهوسلم إلى بنى المصطلق ، بعد الوقعة مصدّقا ، وكان بينه وبينهم عداوة فى الجاهلية ، فخرجوا يتلقّونه ، تعظيما لأمر النّبى صلىاللهعليهوسلم ، فظن أنهم مقاتلوه ؛ فرجع ، وقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد ارتدوا ومنعوا الزكاة ، فهمّ صلىاللهعليهوسلم أن يغزوهم ، ثم أتوا النّبىّ صلىاللهعليهوسلم وأخبروه أنهم إنما خرجوا يتلقّونه تكرمة ؛
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٧ / ٣٣٧).
(٢) راجع تفسير الآية ٢٦ من سورة الفتح.