فقال صلىاللهعليهوسلم لحسّان : قم فأجبه ، فقال :
إنّ الذوائب من فهر وإخوتهم |
|
قد شرّعوا سنّة للناس تتبع |
يرضى بها كلّ من كانت سريرته |
|
تقوى الإله وكلّ الفخر يصطنع (١) |
ثم قال الأقرع شعرا افتخر به ، فقال عليهالسلام ـ لحسّان ، قم فأجبه ، فقال حسّان :
بنى دارم ، لا تفخروا ، إنّ فخركم |
|
يعود وبالا عند ذكر المكارم |
هبلتم ، علينا تفخرون وأنتم |
|
لنا خول من بين ظئر وخادم (٢) |
فقال صلىاللهعليهوسلم : «لقد كنت غنيا عن هذا يا أخا بنى دارم أن يذكر منك ما قد ظننت أن النّاس قد نسوه» ، ثم قال الأقرع : تكلم خطيبنا ، فكان خطيبهم أحسن قيلا ، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر. ه (٣).
هذا ومناداتهم من وراء الحجرات ؛ إما لأنهم أتوها حجرة حجرة ، فنادوه صلىاللهعليهوسلم من ورائها ، أو : بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له صلىاللهعليهوسلم ، أو : نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها ، ولكنها جمعت إجلالا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقيل : الذي ناداه عيينة بن حصن والأقرع ، وإنما أسند إلى جميعهم لأنهم راضون بذلك وأمروا به. (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ، إذ لو كان لهم عقل لما تجاسروا على هذه العظيمة من سوء الأدب.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) أي : ولو تحقق صبرهم وانتظارهم ، فمحل (أنهم صبروا) رفع على الفاعلية ؛ لأنّ «أن» تسبك بالمصدر ، لكنها تفيد التحقق والثبوت ، للفرق بين قولك : بلغني قيامك ، وبلغني أنك قائم ، و «حتى» تفيد أن الصبر ينبغى أن يكون مغيّا بخروجه عليهالسلام ، فإنها مختصة بالغايات. والصبر : حبس النّفس على أن تنازع إلى هواها ، وقيل : «الصبر مرّ ، لا يتجرعه إلا حرّ». أي : لو تأنوا حتى تخرج إليهم بلا مناداة ؛ لكان الصبر خيرا لهم من الاستعجال ، لما فيه من رعاية حسن الأدب ، وتعظيم الرّسول ، الموجبتين للثناء والثواب ، والإسعاف بالمسئول ؛ إذ روى أنهم وفدوا شافعين فى أسارى بنى العنبر ، وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم بعث سرية إلى حى بنى العنبر ، وأمّر عليهم عيينة
__________________
(١) انظر ديوان حسان بشرح البرقوقى ص ٣٠١. وفيه :
إن الذوائب من فهر وإخوتهم |
|
قد بينوا سنة للناس تتبع |
يرضى بها كلّ من كانت سريرته |
|
تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا |
(٢) انظر ديوان حسان ص ٤٣٧.
(٣) أخرجه الواحدي فى أسباب النّزول ص (٤٠٤ ـ ٤٠٦) عن جابر بن عبد الله. وعزاه الحافظ ابن حجر فى الكافي الشاف (ص ١٥٥ ـ ١٥٦ رقم ١٥) للثعلبى. وأخرج الجزء الأول من القصة ، الترمذي فى (التفسير ، باب ومن سورة الحجرات ، ح ٣٢٦٧) عن البراء بن عازب رضي الله عنه.