الإشارة : أصحاب هذه الأعذار إن صحبوا الرّجال ، وحطوا رؤوسهم لهم ، وبذلوا نفوسهم وفلوسهم ، سقط عنهم السفر إلى صحبة أشياخهم ، ووصلت الواردات والأمداد إليهم فى أماكنهم ، ونالوا مراتب الرّجال ، حيث حبسهم العذر من العمى والعرج والمرض المزمن ، والله يرزق العبد على قدر نيته وهمته.
ثم ذكر شأن بيعة الرّضوان ، فقال :
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١))
يقول الحق جل جلاله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) ، وهم الذين ذكر شأن مبايعتهم بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ...) الآية ، وبهذه الآية سميت بيعة الرّضوان ، و «إذ» منصوب ب «رضى» ، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة العجيبة ، و (تحت الشجرة) : متعلق به ، أو : بمحذوف ، حال من مفعوله ، أي : رضى عنهم وقت مبايعتهم لك (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) أو : حاصلا تحتها.
روى : أنه صلىاللهعليهوسلم ، لمّا نزل الحديبية ، بعث خراش بن أمية الخزاعي ، رسولا إلى أهل مكة ، فهمّوا به ، وأنزلوه عن بعيره ، فمنعته الأحابيش ، فلما رجع دعا بعمر ليبعثه ، فقال : يا رسول الله إنى أخاف قريشا على نفسى ، وليس بمكة من بنى عدى أحد يمنعنى ، ولكن عثمان أعز بمكة منى ، فبعث عثمان إلى أبى سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه صلىاللهعليهوسلم جاء زائرا إلى البيت ، معظّما لحرمته ، ولم يرد حربا ، فوقروه ، وقالوا : إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل ، فقال : ما كنت لأطوف قبل أن يطوف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاحتبس عندهم ، فأرّجف بأنهم قتلوه ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا نبرح حتى نناجز القوم» ودعا النّاس إلى البيعة ، فبايعوه تحت الشجرة ـ وكانت سمرة (١) وقيل : سدرة ـ على أن يقاتلوا قريشا ، ولا يفروا ، (٢) وأول من بايع «أبو سنان الأسدى» ، واسمه : وهب بن عبد الله بن محصن ، ابن
__________________
(١) السمرة : واحده السّمر ، كرجل : شجرة الطلح. انظر النّهاية (سمر ٢ / ٣٩٩).
(٢) أخرجه البخاري فى (الجهاد والسبر باب البيعة فى الحرب أن لا يفروا ح ٢٩٥٨) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ، وأخرجه مسلم فى (الإمارة ، باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال ح ١٨٥٦) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.