(كَذلِكَ) أي : مثل ذلك الجزاء الفظيع (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) وننجى المؤمنين. روى أن هود عليهالسلام ومن معه من المؤمنين فى حظيرته ، ما يصيبهم من الرّيح إلا ماتلين على الجلود ، وتلذه الأنفس ، وإنها لتمرّ من عاد بالظعن بين السماء والأرض ، وتدمغهم بالحجارة. سبحان الحكيم القدير ، اللطيف الخبير.
الإشارة : إنما جاءت النّذر من عهد آدم عليهالسلام إلى قيام الساعة ، تأمر بعبادة الله ، ورفض كلّ ما سواه ، فمن تمسك بذلك نجى ، ومن عبد غير الله ، أو مال إلى سواه ، عاجلته العقوبة فى الظاهر أو الباطن. والله تعالى أعلم.
ثم خوّف هذه الأمة بما جرى على عاد ، فقال :
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨))
قلت : (فِيما) : موصولة ، أو موصوفة ، ومفعول (اتَّخَذُوا) الأول : محذوف ، و (آلِهَةً) : مفعول ثان ، أي : اتخذوهم آلهة ، و (قُرْباناً) : حال ، ولا يصح أن يكون مفعولا ثانيا ل «اتخذوا» ، و «آلهة» : بدل ، لفساد المعنى ، وأجازه ابن عطية ، ووجه فساده : أن اتخاذهم آلهة مناف لاتخاذهم قربانا ؛ لأن القربان مقصود لغيره ، والآلهة مقصودة بنفسها ، فتأمله ، و «إن» نافية ، والأصل : فيما ما مكنكم فيه ، ولمّا كان التكرار مستثقلا جىء بأن ، كما قالوا فى مهما ، والأصل : ما ما ، فلبشاعة التكرار قلبوا الألف هاء ، وقيل : «إن» صلة ، أي : فى مثل ما مكنكم فيه ، والأول أحسن.
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) أي : قررنا عاد ومكناهم فى التصرف (فِيما) أي : فى الذي ، أو فى شىء ما (مَكَّنَّاكُمْ) يا معشر قريش (فِيهِ) من السعة والبسطة ، وطول الأعمار ، وسائر مبادئ التصرفات ، فما أغنى عنهم شىء من ذلك ، حين نزل بهم الهلاك ، وهذا كقوله تعالى : (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) ، (١) أو : ولقد مكنهم فى مثل ما مكنكم فيه ، فما جرى عليهم يجرى
__________________
(١) من الآية ٦ من سورة الأنعام.