روى : أنهم قحطوا سنين ، ففزعوا إلى الكعبة ، وقد كانت بنتها العمالقة ، ثم خربت ، فطافوا بها ، واستغاثوا ، فعرضت لهم ثلاث سحابات ؛ سوداء وحمراء وبيضاء ، وقيل لهم : اختاروا واحدة ، فاختاروا السوداء ، فمرت إلى بلادهم ، فلما رأوها مستقبلة أوديتهم ، فرحوا واستبشروا ، وهذا معنى قوله ، تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي : العذاب الذي استعجلوه بقولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) ، وقيل : الضمير مبهم ، يفسره قوله : (عارِضاً) على أنه تمييز ، أي : رأوا عارضا ، والعارض : السحاب ، سمى به لأنه يعرض السحاب فى أفق السماء. قال المفسرون : ساق الله السحابة السوداء التي اختاروها بما فيها من النّقمة ، فخرجت عليهم من واد يقال له : «مغيث» ، فلما رأوها مستقبلة أوديتهم ، أي : متوجهة إليها ، فرحوا ، وقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) أي : ممطر إيانا ، لأنه صفة النّكرة ، فيقدر انفصاله. قال الله تعالى : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) من العذاب ، وقيل : القائل هود عليهالسلام ، (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) ، فجعلت تحمل الفساطيط ، وتحمل الظعينة فترفعها فى الجو ، فترى كأنها جرادة.
قال ابن عباس : لما دنا العارض ، قاموا فنظروا ، فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من حالهم ومواشيهم ، تطير بهم الرّيح بين السماء والأرض ، مثل الرّيش ، فدخلوا بيوتهم ، وأغلقوا أبوابهم ، فألقت الرّيح أبوابهم ، وصرعتهم ، وأمر الله تعالى الرّيح فأمالت عليهم الرّمال ، فكانوا تحت الرّمل سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، لهم أنين ، ثم أمر الله تعالى الرّيح ، فكشفت عنهم الرّمال ، فاحتملتهم ، فرمت منهم فى البحر ، وشدخت الباقي بالحجارة (١).
وقيل : أول من أبصر العذاب امرأة منهم ، قالت : رأيت ريحا فيها كشهب النّار ، وهو معنى قوله : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) أي : تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير ، فعبّر عن الكثرة بالكلية. (بِأَمْرِ رَبِّها) أي : رب الرّيح ، وفى ذكر الأمر والرّب ، والإضافة إلى الرّيح ، من الدلالة على عظيم شأنه ـ تعالى ـ ما لا يخفى ، (فَأَصْبَحُوا لا يُرى) (٢) (إِلَّا مَساكِنُهُمْ) أي : فجاءت الرّيح فدمرتهم ، فصاروا بحيث لا يرى شىء إلا مساكنهم خاوية ، ومن قرأ بتاء الخطاب ، فهو لكلّ من يتأتى منه الرّؤية ، تنبيها على أن حالهم صار بحيث لو نظر كلّ أحد بلادهم لا يرى فيها إلا مساكنهم.
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٧ / ٢٦٣).
(٢) قرأ عاصم وحمزة ويعقوب «يرى» بضم الياء ، و «مساكنهم» برفع النّون ، نائب فاعل ، وقرأ الباقون «ترى» بالتاء وفتحها ، و «مساكنهم» بالنصب ، مفعولا به. انظر الإتحاف (٢ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣).