والبرص ، فإذا بلغ الخمسين خفف الله عنه الحساب ، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة كما يحب ، فإذا بلغ سبعين سنة ؛ غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفع فى أهل بيته ، وناداه مناد من السماء : هذا أسير الله فى أرضه». وهذا فى العبد المقبل على الله. والله تعالى أعلم. وقرئ : «حتى إذا استوى وبلغ أشدّه».
(قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي : ألهمنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) من الهداية والتوحيد ، والاستقامة على الدين ، (وَعَلى والِدَيَ) كذلك ، وجمع بين شكر النّعمة عليه وعلى والديه ؛ لأن النّعمة عليهما نعمة عليه ، (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) ، التنكير للتفخيم والتكثير ، قيل : هو الصلوات الخمس ، والعموم أحسن ، (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) أي : واجعل الصلاح ساريا فى ذريتى راسخا فيهم ، أو : اجعل ذريتى موقعا للصلاح دائما فيهم ، (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من كلّ ذنب ، (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذين أخلصوا لك أنفسهم ، وانقادوا إليك بكليتهم. (١)
قال علىّ رضي الله عنه : نزلت فى أبى بكر ـ رضي الله عنه ، ولم تجتمع لأحد من أصحاب النّبى صلىاللهعليهوسلم من المهاجرين من أسلم أبواه غيره ، وأوصاه الله بهما. ه. فاجتمع لأبى بكر إسلام أبى قحافة وأمه «أم الخير» وأولاده ، عبد الرّحمن ، وابنه عتيق ، فاستجاب الله دعاءه فى نفسه وفى ذريته ، فإنه آمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ، ودعا لهم وهو ابن أربعين سنة. قال ابن عباس : أعتق أبو بكر تسعة من المؤمنين ، منهم : بلال ، وعامر بن فهيرة ، ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه. (٢) ه.
قال ابن عطية : معنى الآية : هكذا ينبغى للإنسان أن يكون ، فهى وصية الله ـ تعالى ـ للإنسان فى كلّ الشرائع ، وقول من قال : إنها فى أبى بكر وأبويه ضعيف ، لأن هذه نزلت فى مكة بلا خلاف ، وأبو قحافة أسلم يوم الفتح. ه. قلت : كثيرا ما يقع فى التنزيل تنزيل المستقبل منزلة الماضي ، فيخبر عنه كأنه واقع ، ومنه : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (٣) و (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) (٤) ، وهذه الآية فى إسلام أبى قحافة. والله تعالى أعلم.
(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) (٥) من الطاعات ، فإن المباح لا يثاب عليه إلا بنية صالحة ، فإنه ينقلب حينئذ طاعة ، وضمّن «يتقبل» معنى يتجاوز ، فعدّاه بعن ؛ إذ لا عمل يستوجب القبول ، لو لا عفو
__________________
(١) ذكره القرطبي (٧ / ٦٢٠١).
(٢) انظر تفسير البغوي (٧ / ٢٥٨) وزاد المسير (٧ / ٣٧٨).
(٣) الآية ١٠ من سورة الأحقاف.
(٤) الآيتان ٦ ـ ٧ من سورة فصلت.
(٥) قرأة حمزة والكسائي وحفص (نتقبل ، ونتجاوز) بالنون المفتوحة و «أحسن» بالنصب ، وقرأ الباقون (يتقبل ـ يتجاوز) بالياء المضمومة ، ورفع «أحسن» .. انظر الإتحاف (٢ / ٤٧١).