(ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) ، المصبوب هو الحميم ، لا عذابه ، إلا أنه إذا صب عليه الحميم ، فقد صب عليه عذابه وشدته : والأصل : ثم صبوا فوق رأسه عذابا هو الحميم ، ثم أضيف العذاب إلى الحميم ؛ للمبالغة ، وزيد «من» للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النّوع ، ويقال له : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) على سبيل الهزؤ والتهكم ، روى أن أبا جهل قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما بين جبليها أعز ولا أكرم منى ، فو الله لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا (١) ، فتقول له الزبانية هذا على طريق الاستهزاء والتوبيخ. وقرأ الكسائي : «أنك» بالفتح (٢) ، أي : لأنك أنت العزيز فى قومك ، الكريم فى زعمك. (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) ؛ تشكّون ، وتمارون فيه ، والجمع باعتبار المعنى ؛ لأن المراد جنس الأثيم.
الإشارة : يوم الفصل هو اليوم الذي يقع فيه الانفصال بين درجة المقربين ، ومقام عامة أهل اليمين ، فيرتفع المقربون ، ويسقط الغافلون ، فلا يغنى صاحب عن صاحب شيئا ، ولا هم ينصرون من السقوط عن مراتب الرّجال ، فلا ينفع حينئذ إلا ما سلف من صالح الأعمال ، إلا من رحم الله ، ممن تعلق بالمشايخ الكبار ، من المريدين ، فإنهم يرتفعون معهم بشفاعتهم. وشجرة الزقوم هى شجرة المعصية ؛ فإنها تغلى فى البطون ، وتعوق عن الوصول ، فقد قالوا : من أكل الحرام عصى الله ، أحبّ أم كره ، ومن أكل الحلال أطاع الله ، أحبّ أم كره ، فيقال : خذوه فادفعوه إلى سواء الجحيم ، وهى نار القطيعة والبعد ، ثم صبوا فوق رأسه من هموم الدنيا ، وشغب الخوض والخواطر ، ذق إنك أنت العزيز الكريم ، ولو كنت ذليلا خاملا لنلت العز والكرامة. وبالله التوفيق.
ثم شفع بضدهم ، فقال :
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))
__________________
(١) أخرجه الطبري (٢٥ / ١٣٤) وعزاه السيوطي فى الدر (٥ / ٧٥٣) لعبد الرّزّاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، عن قتادة.
(٢) على العلة ، وقرأ الباقون بكسرها .. انظر الاتحاف ٢ / ٤٦٤.