ثم هددهم بقوله :
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦))
يقول الحق جل جلاله : (فَارْتَقِبْ) ؛ فانتظر (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، قال علىّ وابن عباس وابن عمر والحسن ـ رضي الله عنهم ـ : هو دخان يجىء قبل يوم القيامة ، يصيب المؤمن منه مثل الزكام ، وينضج رؤوس المنافقين والكافرين ، حتى تكون كأنها مصليّة حنيذة (١) ، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه نار ، ليس فيه خصاص (٢) ، ويؤيد هذا حديث حذيفة : «أول الآيات الدخان ، ونزول عيسى ، ونار تخرج من عدن ، تسوق النّاس إلى المحشر ، تقيل معهم إذا قالوا ...» الحديث (٣) ، انظر الثعلبي.
وأنكر هذا ابن مسعود ، وقال : هذا الدخان قد رأته قريش حين دعا عليهم النّبى صلىاللهعليهوسلم بسبع كسبع يوسف ، فكان الرّجل يرى من الجوع دخانا بينه وبين السماء (٤). ويؤيده ما يأتى بعده. وقوله (مُبِينٍ) أي : ظاهر لا يشك أحد أنه دخان ، (يَغْشَى النَّاسَ) أي : يحيط بهم ، حتى كان الرّجل يحدّث الرّجل ، ويسمع كلامه ، ولا يراه من الدخان ، أي : انتظر يوم شدة ومجاعة ؛ فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان ، إما لضعف بصره ، أو لأن عام القحط يظلم الهواء لقلة الأمطار ، أو كثرة الغبار ، (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : قائلين هذا عذاب أليم.
ولما اشتد بهم القحط ، مشى أبو سفيان ، ونفر معه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وناشده الله ـ تعالى ـ والرّحم ، وواعدوه إن دعا لهم ، وكشف عنهم ، أن يؤمنوا ، وذلك قوله تعالى : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي : سنؤمن إن
__________________
(١) المصليّة والحنيذة : المشوية.
(٢) الخصاص : الفرج والخرق فى البناء أو الباب ونحوه ، راجع اللسان (خصص ٢ / ١١٧٣) والخبر أخرجه الطبري (٢٥ / ١١٣).
(٣) أخرجه البغوي فى تفسيره (٧ / ٢٣٠) من حديث حذيفة بن اليمان ، وأخرجه الطبري (٢٥ / ١١٤) بذكر كلمة (الدجال) بدل (الدخان).
(٤) معنى ما أخرجه البخاري فى (التفسير ، سورة حم الدخان ، باب (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) ح ٤٨٢٣) ومسلم (فى صفات المنافقين ، باب الدخان ح ٢٧٩٨) (٣٩). ولفظه كما عند البخاري : قال عبد الله : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما دعا قريشا كذبوه واستعصوا عليه ، فقال : اللهم أعنى عليه بسبع كسبع يوسف. فأصابهم سنة حصت كلّ شىء ، حتى كانوا يأكلون الميتة وكان يقوم أحدهم ، فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان ، من الجهد والجوع. ثم قرأ : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ، يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) حتى بلغ : (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) قال عبد الله : أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ قال : والبطشة الكبرى يوم بدر».