الأجرام ، وفى إضافة اسم الرّب إلى أعظم الأجرام وأقواها ، تنبيه على أنها وما فيها من المخلوقات حيث كانت تحت ملكوت ربوبيته ؛ كيف يتوهم أن يكون شىء منها جزءا منه. وفى تكرير اسم الرّب تفخيم لشأن العرش.
(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) فى باطلهم (وَيَلْعَبُوا) فى [دنياهم] (١) أي : حيث لم يذعنوا لك ، ولم يرجعوا عن غيهم ، أعرض عنهم واتركهم فى لهوهم ولعبهم ، (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) ، وهو القيامة ، فإنهم يومئذ يعلمون ما فعلوا ، وما يفعل بهم ، أو : يوم بدر ، قاله عكرمة وغيره. وهذا دليل على أن ما يقولونه إنما هو خوض ولعب لا حقيقة له.
ثم ذكر انفراده بالألوهية فى العالم العلوي والسفلى ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) أي : وهو الذي هو معبود فى السماء وفى الأرض ، فضمّن «إله» معنى مألوه ، أي : وهو الذي يستحق أن يعبد فيهما. وقرأ عمر ، وأبى ، وابن مسعود : «وهو الذي فى السماء الله وفى الأرض الله» كقوله تعالى : (وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) (٢) ، وقد مر تحقيقه عبارة وإشارة. والرّاجع إلى الموصول : محذوف ؛ لطول الصلة ، كقولهم : ما أنا بالذي قائل لك سوءا ، والتقدير : وهو الذي هو فى السماء إله ، و «إله» : خبر عن مضمر ، ولا يصح أن يكون «إله» مبتدأ ، و «فى السماء» خبره ؛ لخلو الصلة حينئذ عن العائد (وَهُوَ الْحَكِيمُ) فى أقواله وأفعاله (الْعَلِيمُ) بما كان وما يكون ، أو : الحكيم فى إمهال العصاة ، العليم بما يؤول أمرهم إليه ، وهو كالدليل على ما قبله من التنزيه ، وانفراده بالربوبية.
(وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : تقدّس وتعاظم الذي ملك ما استقر فى السموات والأرض (وَما بَيْنَهُما) إما على الدوام ، كالهواء ، أو فى بعض الأوقات ، كالطير ، (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : العلم بالساعة التي فيها تقوم ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للجزاء ، والالتفات للتهديد ، فيمن قرأ بالخطاب. (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي : لا تملك آلهتهم التي يدعونها (مِنْ دُونِهِ) أي : من دون الله (الشَّفاعَةَ) كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) الذي هو التوحيد ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) بما يشهدون به عن بصيرة وإيقان وإخلاص ، وهم خواص المسلمين ، والملائكة. وجمع الضميرين باعتبار معنى (من) كما أن الإفراد أولا باعتبار لفظها. والاستثناء : إما متصل ، والموصل عام لكلّ ما يعبد من دون الله ، أو : منقطع ، على أنه خاص بالأصنام.
__________________
(١) فى الأصول [دينهم] والمثبت من النّسفى وأبى السعود.
(٢) من الآية ٣ من سورة الأنعام.