ثم ذكر امتحانه ، فقال :
(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٣٥) فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ (٣٦) وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٣٨) هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠))
يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) أي : ابتليناه ، (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ) ؛ سرير ملكه ، (جَسَداً) ؛ شق ولد ، أو جنيا ، (ثُمَّ أَنابَ) ؛ رجع إلى الله تعالى ، وأظهر ما قيل فى فتنته عليهالسلام ما روى مرفوعا : أنه قال : لأطوفنّ الليلة على سبعين ـ أو تسع وتسعين ـ امرأة ، تأتى كلّ واحدة منهن بفارس ، يجاهد فى سبيل الله ، ولم يقل «إن شاء الله» فطاف عليهنّ ، فلم تحمل إلا امرأة واحدة ، جاءت بشقّ رجل. قال نبينا عليه الصلاة والسّلام : «والذي نفسى بيده لو قال : إن شاء الله ، لجاهدوا فى سبيل الله فرسانا أجمعون» (١) فالفتنة على هذا : كونه لم يقل : «إن شاء الله» والجسد هو شق الإنسان الذي ولد له. وقيل : إنه ولد له ابن ، فأجمعت الشياطين على قتله ، وقالوا : إن عاش له ولد لم ننفك من خدمته ، فلمّا علم ذلك ، حمله فى السحاب ، فما شعر حتى ألقى على كرسيه جسدا ميتا ، فتنبه لخطأه ، حيث لم يتوكل على الله.
وقيل : إنه غزا صيدون من الجزائر ، فقتل ملكها ، وأخذ بنتا له تسمى جرادة ، من أحسن النّاس ، فاصطفاها لنفسه ، وأسلمت على جفاء ، وأحبها ، وكان لا يرقأ دمعها ، جزعا على أبيها ، فأمر الشياطين فمثّلوا لها صورته ، فكانت تغدوا عليها وتروح مع ولائدها ، فيسجدن لها ، كعادتهن فى ملكه ، فأخبره صاحبه آصف بذلك ، فكسر الصورة ، وعاقب المرأة ، ثم خرج إلى فلاة ، وفرش له الرّماد ، وجلس عليه تائبا إلى الله متضرعا. وكانت له أم ولد ، يقال لها : «أمينة» إذا دخل للطهارة ، أو لإصابة امرأة ، يعطيها خاتمه ، وكان فيها ملكه ، فأعطاها يوما ، فتمثل لها بصورته شيطان ، اسمه «صخر» وأخذ الخاتم ، فتختم به ، وجلس على كرسيه ، فاجتمع عليه الخلق ، ونفذ حكمه فى كل شىء ، إلا فى نسائه ، على المشهور ، وغير سليمان عن هيئته ، فأتى «أمينة» لطلب الخاتم ، فأنكرته وطردته ، فعلم
__________________
(١) أخرجه البخاري فى (أحاديث الأنبياء ، باب (وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ) ح ٣٤٢٤) ومسلم فى (الأيمان ، باب الاستثناء ٣ / ١٢٧٥ ح ١٦٥٤) من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.