شجرة ، ثم راح وتركها» (١). وروى أن عيسى عليهالسلام أخذ لبنة من طوب ، فجعلها تحت رأسه ، فجاءه جبريل عليهالسلام ، فوكز الطوبة من تحت رأسه ، ونزعها ، وقال : «اترك هذه مع ما تركت». وأنشدوا فى هذا المعنى :
رضيت من الدنيا بقوت وخرقة |
|
وأشرب من كوز حوافيه تكسر |
فقل لبنى الدنيا : اعزلوا من أردتم |
|
وولوا ، وخلونى على البعد أنظر |
وقال صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا خراب ، وأخرب منها قلب مشتغل بها» (٢). ومن اشتغل بها غفل عن ذكر الرّحمن ، وسلط عليه الشيطان ، كما قال تعالى :
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢))
قلت : «من يعش» : شرط وجواب. وحكى أن أبا عبد الله بن مرزوق دخل على ابن عرفة ، فحضر مجلسه ، ولم يعرفه أحد ، فوجده يفسر هذه الآية : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) ، فكان أول ما افتتح به ـ يعنى ابن مرزوق ـ أن قال : وهل يصح أن تكون «من» هنا موصولة؟ فقال ابن عرفة : وكيف ، وقد جزمت؟ فقال ابن مرزوق : جزمت تشبيها بالشرطية ، فقال ابن عرفة : إنما يقدم على هذا بنص من إمام ، أو شاهد من كلام العرب ، فقال : أما النّص ؛ فقال ابن مالك فى التسهيل : وقد يحزم مسبب عن صلة الذي ، تشبيها بجواب الشرط ، وأما الشاهد فقوله :
فلا تحفرن بئرا تريد أخا بها |
|
فإنك فيها أنت من دونه تقع |
كذاك الذي يبغى على النّاس ظالما |
|
تصبه على رغم عواقب ماصنع |
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه فى الموضع السابق (ح ٤١٠٩) والترمذي فى الموضع السابق (باب ٤٤ ، ح ٢٣٧٧) وقال : «هذا حديث حسن صحيح».
(٢) لم أقف عليه.