عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨))
قلت : (وأما ثمود) ، قراءة الجماعة بالرفع ، غير مصروف ، إرادة القبيلة ، وقراءة الأعمش ويحيى بن وثاب مصروفا ، إرادة الحي ، وقراءة ابن أبى إسحاق : بالنصب ، من باب الاشتغال ، وأصل الكلام : مهما يكن من شىء فثمود هديناهم ، فحذف الملزوم الذي هو الشرط ، وأقيم مقامه لازمه ، وهو الجزاء ، وأبقيت الفاء المؤذنة بأن ما بعدها لازم لما قبلها ، وإلا فليس هذا موضع الفاء ؛ لأن موضعه صدر الجزاء. انظر المطوّل.
يقول الحق جل جلاله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن الإيمان بعد هذا البيان ؛ (فَقُلْ) لهم : (أَنْذَرْتُكُمْ) ؛ خوّفتكم. وعبّر بالماضي للدلالة على تحقق الإنذار المنبئ عن تحقق الوقوع ، (صاعِقَةً) أي : عذابا شديدا لو وقع كان كأنه صاعقة ، وأصلها : رعد معه نار تحرق. تكون (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) وقد تقدم عذابهما (١).
(إِذْ جاءَتْهُمُ) : ظرف لمحذوف ، أي : أنزلناها بهم حين جاءتهم (الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي : أتوهم من كل جانب ، وعملوا فيهم كل حيلة ، فلم يروا منهم إلا الإعراض ، أو : جاءتهم الرسل قبلهم لأبائهم ، وبعدهم لمن خلفهم ، أي : تواردت عليهم الرسل قديما وحديثا ، والمعهود إنما هو هود وصالح ـ عليهاالسلام. وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله بمن قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة ، (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي : بأن لا تعبدوا إلا الله ، على أنها مصدرية ، أو : لا تعبدوا ، على أنها مفسرة ، وقيل : مخففة ، أي : أنه لا تعبدوا إلا الله. (قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أي : لو شاء إرسال الرّسل لأرسل ملائكة ، ولمّا كان إرسالهم بطريق الإنزال عبّر به ، (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي : فحيث كنتم بشرا مثلنا ، ولم تكونوا ملائكة ، ولم يكن لكم فضل علينا ، فإنا لا نؤمن بكم ، ولا بما جئتم به ، وقولهم : (أُرْسِلْتُمْ بِهِ) ليس بإقرار بالإرسال ، وإنما هو على كلام الرسل ، وفيه تهكم ، كما قاله فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢) وقولهم : (بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء ، الذين دعوا للإيمان.
__________________
(١) راجع تفسير الآيات ٦٥ ـ ٧٩ من سورة الأعراف (٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣٤).
(٢) الآية ٢٧ من سورة الشعراء.