وحكوماته ، وتدابير الملك ، والمشورات. وعن علىّ رضي الله عنه : «هو البينة على المدّعى ، واليمين على من أنكر» وعن الشعبي : «هو : أما بعد» (١) فهو أول من تكلم بها ، فإنّ من تكلم فى الذي له شأن يفتتح بذكر الله وتحميده ، فإذا أراد أن يخرج إلى الغرض المسوق له الكلام ، فصل بينه وبين ذكر الله بقوله : أما بعد.
الإشارة : فاصبر أيها الفقير على ما يقولون فيك ، وتسلّ بمن قبلك من أهل الخصوصية الكبرى والصغرى ، ففيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الوصول إلى الله تعالى. وقوله تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ ...) إلخ. قال القشيري : كل من تحقق بحالة ساعده كلّ شىء. ه. قلت : وفى الحكم : «أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكوّن ، فإذا شهدت المكوّن كانت الأكوان معك» وبالله التوفيق.
ثم ذكر امتحان داود عليهالسلام ، فقال :
(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ (٢٢) إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (٢٣) قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ (٢٤) فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ (٢٥))
يقول الحق جل جلاله : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ) ؛ استفهام ، معناه التعجب والتشويق إلى استماع ما فى حيزه ؛ لأنه من الأنباء البديعة ، والأخبار العجيبة. والخصم ـ فى الأصل : مصدر ، ولذلك يطلق على الواحد والجمع ، كالضيف والزور. وأريد هنا اثنان ، وإنما جمع الضمير بناء على أن أقل الجمع اثنان. (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) أي : تصعّدوا سوره ونزلوا إليه. والسور : الحائط المرتفع ، ونظيره : تسنمه : إذا علا سنمه. والمحراب :
__________________
(١) انظر هذه الأقوال فى تفسير الطبري (٣ / ١٤٠) والبغوي (٧ / ٧٧ ـ ٧٨) والدر المنثور (٥ / ٥٦٤).