تجر الحفظ والرّعاية إلى حال الكبر ، وأما عذاب الآخرة فمعلوم ، ثم يحضّ على التوبة والإقلاع ، فإنّ التائب الناصح ملحق بالطائع ، فلا يلحقه شىء من ذلك. وبالله التوفيق.
ثم وبّخهم بما تعودوا من تكذيب الرّسل ، فقال :
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥))
قلت : (الذين يجادلون) : بدل من (من هو) ، وإنما جمع ؛ لأنه لم يرد مسرفا واحدا ، بل كلّ مسرف.
يقول الحق جل جلاله ، حاكيا لقول المؤمن : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) ، هو ابن يعقوب ، وقيل : يوسف بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب ، أقام فيهم نبيا عشرين سنة (١) ، وقال وهب : فرعون موسى هو فرعون يوسف ، عمّر إلى زمنه ، وقيل : هو فرعون آخر ؛ لأن كلّ من ملك مصر يقال له فرعون ، وهذا أظهر. وقول الجلال المحلى : هو يوسف بن يعقوب فى قول ، عمّر إلى زمنه ، سهو. وإنما قيل ذلك فى فرعون لا فى يوسف.
قلت : والتحقيق : أنه وبّخهم بما فعل أسلافهم ؛ لأنهم على منوالهم ، راضون بما فعلوا ، فالمراد بيوسف ، هو الصّدّيق ، فما زالوا مترددين فى رسالته حتى مات ، واستمر خلفهم على ذلك إلى زمن موسى ، وقوله تعالى : (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل موسى ، أي : جاءكم يوسف (بِالْبَيِّناتِ) ؛ بالمعجزات الواضحة ، كتعبير الرّؤيا ، ودلائل التوحيد ، كقوله : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ ...) (٢) الآية ، وملكه أموالهم ورقابهم فى زمن المسغبة ، وغير ذلك مما دلّ على رسالته. (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) من الدين (حَتَّى إِذا هَلَكَ) بالموت (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) ، حكما ، من عند أنفسكم ، من غير برهان ، أي : أقمتم على كفركم ، وظننتم أن لا يجدّد عليكم إيجاب الحجة.
__________________
(١) ذكره القرطبي (٧ / ٥٩٢٨) عن ابن عباس رضي الله عنه. وجاء فى البحر المحيط (٧ / ٤٤٥) والنّسفى (٣ / ٢١٠) «ابراهيم» بدلا من «إفرائيم».
(٢) من الآية ٣٩ من سورة يوسف.