حظنا من الجنة ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم ذكر وعد الله المؤمنين بالجنة ، فقالوا على سبيل الهزء : عجّل لنا نصيبنا منها (١). وتصدير دعائهم بالنداء للإمعان فى الاستهزاء ، كأنهم يدعون ذلك بكمال الرّغبة.
(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) من أمثال هذه المقالات الباطلة. ثم سلّاه بما يقص عليه من خبر الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ الذين كانت بدايتهم أيام المحن ، ثم جاءتهم أيام المنن ، وبدأ بنبيه داود عليهالسلام ، فقال : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) ، فإنه كان فى أول أمره ضعيفا ، يرعى الغنم ، ثم صار نبيا ملكا ، ذا الأيادى العظام. وقوله : (ذَا الْأَيْدِ) أي : ذا القوة فى الدين ، والملك ، والنّبوة. يقال : فلان ذو يد وأيد وأياد ، بمعنى القوة ، وأياد كلّ شىء : ما يتقوى به. (إِنَّهُ أَوَّابٌ) : رجّاع إلى الله فى كلّ شىء ، أو : إلى مرضاة الله تعالى. وهو تعليل لكونه ذا الأيد ، ودليل على القوة فى الدين ؛ فإنه كان عليهالسلام يصوم يوما ويفطر يوما ، وهو أشدّ الصوم ، ويقوم نصف الليل (٢) ، مع مكابدة سياسة النّبوة والملك والشهود ، فقد أعطى القوة فى الجهتين.
(إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ) أي : ذللناها له ، تسير معه حيث يريد. ولم يقل «له» ؛ لأن تسخير الجبال له عليهالسلام لم يكن بطريق التفويض الكلى ، كتسخير الرّياح وغيرها لابنه ، بل بطريق التبعية ، والاقتداء به فى عبادة الله تعالى. وقيل : (مَعَهُ) متعلق ب (يُسَبِّحْنَ) ، أي : سخرناها تسبّح معه ، إما بلسان المقال ، يخلق الله لها صوتا ، أو : بلسان الحال ، أي : يقدس الله تعالى وينزهه عما لا يليق به. والجملة : حال ، أي : مسبّحات ، واختيار الفعل ليدل على حدوث التسبيح من الجبال ، وتجدده شيئا بعد شىء ، وحالا بعد حال ، (بِالْعَشِيِ) فى طرفى النّهار ، والعشىّ : وقت العصر إلى الليل (وَالْإِشْراقِ) ، وهو حين تشرق الشمس ، أي : تضىء ، وهو وقت الضحى ، وأما شروقها ـ الثلاثي : فطلوعها ، تقول : شرقت الشمس ولمّا تشرق ، أي : طلعت ولم تضيء. وعن ابن عباس رضي الله عنه : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية (٣). وعنه ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أنه صلّى عند أم هانىء صلاة الضحى ، وقال : «هذه صلاة الإشراق» (٤).
__________________
(١) انظر تفسير البغوي (٧ / ٧٥).
(٢) أخرج البخاري فى (التهجد ، باب من نام عند السحر ، ح ١١٣١) ومسلم فى (الصيام ، باب النّهى عن صوم الدهر ٢ / ٨١٦ ، ح ١٨٩) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليهالسلام وأحبّ الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما».
(٣) عزاه السيوطي فى الدر المنثور (٥ / ٥٦٢) لسعيد بن منصور ، بلفظ : طلبت صلاة الضحى فى القرآن ، فوجدتها (بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ). وانظر روايات أخرى تفيد هذا المعنى ذكرها السيوطي فى الدر.
(٤) أخرجه البغوي فى التفسير (٧ / ٧٦) عن ابن عباس بلفظ : قال ـ أي ابن عباس ـ : كنت أمرّ بهذه الآية لا أدرى ما هى حتى حدثتنى أم هانى بنت أبى طالب : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم صلّى الضحى ، فقال : «يا أم هانىء هذه صلاة الإشراق».