يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) ؛ معجزاته التسع (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : حجة قاهرة ، وهى : إما عين الآيات ، والعطف لتغاير العنوانين ، فكونها آيات من جهة خرق العادة ، وكونها حجة من حيث الدلالة على صدق صاحبها ، وإما أن يريد بالسلطان بعض مشاهيرها ، كالعصا ، أفردت بالذكر مع اندراجها تحت الآيات ؛ لعظمها. وقال ابن عرفة : الآيات : المعجزات ، والسلطان المبين ، راجع إلى التحدي بها ، فهو من قبيل الإدعاج (١) ، أو : يكون السلطان راجعا إلى ظهورها ؛ إذ ليس من شرطها الظهور ، أو : يرجع إلى نتيجتها ، وهو الغلبة والنّصر. ه.
أرسل (إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ ، فَقالُوا) فيما أظهره ، أو : فيما ادّعاه من الرّسالة : هو (ساحِرٌ كَذَّابٌ. فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا) وهو الوحى والرّسالة ، (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) أي : صبيانهم الذكور ، (وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) للخدمة ، أي : أعيدوا عليهم القتل الذي كنتم تفعلونه أولا ، وكان فرعون قد كفّ عن قتل الولدان ؛ لئلا تعطل خدمته ، فلما بعث عليهالسلام ، وأحسّ بأنه قد وقع ما توقع ، أعاده عليهم غيظا ، وحمقا ، وزعما منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرته. (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) ؛ فى ضياع وبطلان ، فإنهم باشروا قتلهم أولا ، فما أغنى عنهم ، ونفذ قضاء الله بإظهار من خافوه ، فما يغنى عنهم هذا القتل الثاني ، فلم يعلم أن كيده ضائع فى الكرّتين ، واللام : إما للعهد المتقدم ، والإظهار فى موضع الإضمار ؛ لذمهم بالكفر ، والإشعار بعلة الحكم ، أو : للجنس ، وهم داخلون فيه دخولا أوليّا. والجملة : اعتراض جىء بها فى تضاعيف ما حكى عنهم من الأباطيل ؛ للمسارعة إلى بيان بطلان ما أظهروه من الإبراق والإرعاد الذي لا طائل تحته.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ) لملئه : (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) ، وكان ملؤه إذا همّ بقتله كفّوه ، وقالوا : ليس بالذي تخافه ، وهو أقل من ذلك ، وما هو إلا ساحر ، وإذا قتلته أدخلت شبهة على النّاس ، واعتقدوا أنك عجزت عن معارضته بالحجة ، والظاهر من دهاء اللعين ونكارته أنه قد استيقن أنه نبىّ ، وأن ما جاء به آيات باهرة ، وما هو بسحر ، ولكن كان يخاف إن همّ بقتله أن يعاجل بالهلاك ، وكان قوله تمويها على قومه ، وإيهاما أنهم هم الكافون عن قتله ، ولو لاهم لقتله ، وما كان يكفه إلا ما فى نفسه من الفزع الهائل. وقوله : (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) تجلد منه وإظهار لعدم المبالاة بدعائه ، ولكنه أخوف ما يخافه.
__________________
(١) هكذا.