يلقى الرّوح من أمره على من يشاء من عباده ، هو وحي أحكام للأنبياء ، ووحي إلهام للأولياء ، فيحيى الله بهم الدين فى كلّ زمان ، وقال القشيري : بعد كلام : ويقال : روح النّبوة ، وروح الرّسالة ، وروح الولاية ، وروح المعرفة. ه. والمراد بالروح : مطلق الوحى ، لينذر الداعي يوم التلاقي ، فيحصل اللقاء السرمدي مع الحبيب للمقربين ، ويحصل الافتراق والبعد للغافلين ، حين تبرز الخلائق بين يدى الله ، لا دعوى لأحد يومئذ ، فيقول الحق تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ، لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
قال القشيري : لا يتقيد ملكه بيوم ، ولا يختص بوقت ، ولكنّ دعاوى الخلق ـ اليوم ـ لا أصل لها ، ترتفع غدا ، وتنقطع تلك الأوهام. ه. ومثله فى الإحياء ، وأنه إذا كشف الغطاء شهد الأمر كذلك ، كما كان كل يوم ، لا فى خصوص ذلك اليوم. فإذا حصل للعبد مقام الفناء ، لم ير فى الدارين إلا الله ، فيقول : لمن الملك اليوم؟ فيجيب : لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس بما كسبت من التقريب أو الإبعاد. قال القشيري : يجازيهم على أعمالهم الجنان ، وعلى أحوالهم الرّضوان ، وعلى أنفاسهم ـ أي : على حفظ أنفاسهم ـ القرب ، وعلى محبتهم الرّؤية ، ويجازى المذنبين على توبتهم الغفران ، وعلى بكائهم الضياء والشفاء. ه. لا ظلم اليوم ، بل كل واحد يرتفع على قدر سعيه اليوم.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) قال القشيري : وسريع الحساب مع أوليائه فى الحال ، يطالبهم بالنقير والقطمير. ه. قلت : يدقق عليهم الحساب فى الحال ، ويرفع مقدارهم فى المآل. وبالله التوفيق.
ثم حذّر من هول ذلك اليوم ، فقال :
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠))
يقول الحق جل جلاله : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) أي : القيامة ، سميت بها لأزوفها ، أي : قربها. فالأزوف والازدلاف هو القرب ، غير أن فيه إشعارا بضيق الوقت ، أو الخطة الأزفة ، وهى مشارفة أهل النّار لدخولها ، ثم أبدل من يوم الآزفة قوله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) أي : التراقى ، يعنى : ترتفع قلوبهم عن مقارّها ، فتلتصق