فلم يحمل عرشه إلا قدرته ، وفى الحديث : «إن الله أمر جميع الملائكة أن يغدوا ، ويروحوا بالسلام على حملة العرش ، تفضيلا لهم على سائر الملائكة». (١)
وقال وهب بن منبه : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة ، صف خلف صف ، يدورون حول العرش ، يطوفون به ، يقبل هؤلاء ، ويدبر هؤلاء ، فإذا استقبل بعضهم بعضا ، هلّل هؤلاء ، وكبّر هؤلاء ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام ، أيديهم إلى أعناقهم ، قد وضعوها على عواقتهم ، فإذا سمعوا تكبير هؤلاء وتهليلهم ، رفعوا أصواتهم ، فقالوا : سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلّك ، أنت الله لا إله غيرك ، أنت الأكبر ، الخلق كلهم راجون رحمتك ، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة ، قد وضعوا اليمنى على اليسرى ، ليس منهم أحد إلا يسبح الله ـ تعالى ـ بتسبيح لا يسبحه الآخر ، ما بين جناحى أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام ، واحتجب الله عزوجل ـ بينه وبين الملائكة الذين هم حول العرش ـ بسبعين حجابا من ظلمة ، وسبعين حجابا من نور ، وسبعين حجابا من درّ أبيض ، وسبعين حجابا من ياقوت أحمر ، وسبعين حجابا من زمرد أخضر ، وسبعين حجابا من ثلج ، وسبعين حجابا من ماء ، إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى ه (٢).
قلت : لمّا أظهر الله العرش تجلى بنور جبروتى رحموتى ، استوى به على العرش ، كما يتجلى يوم القيامة لفصل القضاء ، ثم ضرب الحجب بين هذا التجلي الخاص وبين الملائكة الحافّين ، ولا يلزم عليه حصر ولا تجسيم ؛ إذ تجليات الذات العالية لا تنحصر ، وليست هذه الحجب بين الذات الكلية وبين الخلق ؛ إذ لا حجاب بينها وبين سائر المخلوقات إلا حجاب القهر والوهم.
واختلف فى هيئة العرش ، فقيل : إنه مستدير ، والكون كله فى جوفه كخردلة فى الهواء ، حتى قيل : هو الفلك التاسع ، وقيل : هو منبسط كهيئة السرير ، وله سوارى وأعمدة ، وهو ظاهر الأخبار النّبوية. روى جعفر الصادق عن أبيه عن جده ، أنه قال : إن بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية من خفقان الطير المسرعة قياس ألف عام ، وإن ملكا يقال له : حزقائيل ، له ثمانية عشر ألف جناح ، ما بين الجناح والجناح خمسمائة عام ، فأوحى الله إليه : أن طر ، فطار مقدار عشرين ألف سنة ، فلم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش ، ثم طار مقدار ثلاثين ألف سنة فلم ينلها ، فأوحى الله إليه : لو طرت إلى نفخ الصور لم تبلغ ساق عرشى. ه. مختصرا.
وفى حديث آخر : «إن بين القائمة والقائمة من قوائم العرش ستين ألف صحراء ، فى كل صحراء ستون ألف عالم ، فى كل عالم قدر الثقلين». ومع هذا كله يسعه قلب العارف حتى يكون فى زاوية منه ؛ لأنه محدود ، وعظمة
__________________
(١) قال الحافظ ابن حجر : لم أجده. انظر الكافي الشاف (ص ١٤٤ ، ح ٣٣٧).
(٢) انظر تفسير البغوي (٧ / ١٤٠ ـ ١٤١) وزاد المسير (٧ / ٢٠٨).