عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦))
يقول الحق جل جلاله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) نوحا ، (وَالْأَحْزابُ) أي : الذين تحزّبوا على الرسل ، وناصبوهم العداوة ، (مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من بعد قوم نوح ، كعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وأضرابهم ، (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ) من تلك الأمم الماضية (بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) ؛ ليتمكنوا منه ، فيصيبوا ما أرادوا من تعذيب أو قتل. والأخذ : الأسر. (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ) الذي لا أصل له ، ولا حقيقة لوجوده ، (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) ؛ ليبطلوا به الحق الذي جاءت به من الإيمان وغيره ، (فَأَخَذْتُهُمْ) بسبب ذلك أخذا وبيلا ، (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) الذي عاقبتهم به ، فإنّ آثار ديارهم عرضه للناظرين ، وسآخذ هؤلاء أيضا ؛ لاتحادهم فى السيرة ، واشتراكهم فى الجريرة ، كما ينبئ عنه قوله :
(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي : كما وجب حكم الله تعالى وقضاؤه بالتعذيب على أولئك الأمم المكذّبة ، المجترئة على رسلهم ، المجادلة بالباطل لإدحاض الحق ، وجب أيضا (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) بك ، وتحزّبوا عليك ، وهمّوا بما لم ينالوا ، كما ينبئ عنه إضافة اسم الرّب إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم ؛ فإن ذلك للإشعار بأنّ وجوب كلمة العذاب من أحكام التربية ، التي من جملتها : نصرته صلىاللهعليهوسلم ، وتعذيب أعدائه ، وذلك إنما يتحقق بكون الموصول عبارة عن كفار قومه ، لا عن الأمم المهلكة.
وقوله تعالى : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) فى حيز النّصب ، بحذف لام التعليل ، أي : لأنهم مستحقو أشد العقوبات وأفظعها ، الذي هو عذاب النّار ، وملازمتها أبدا ، لكونهم كفارا معاندين ، متحزّبين على الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، كدأب من قبلهم من الأمم المهلكة ، وقيل : إنه فى محل رفع ، على أنه بدل من «كلمة ربك» والمعنى : ومثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة المهلكة كونهم من أصحاب النّار ، أي : كما وجب إهلاكهم فى الدنيا بعذاب الاستئصال ؛ وجب تعذيبهم فى الآخرة بعذاب النّار ، ومحل الكاف من (كذلك) على التقديرين : النصب ، على أنه نعت لمصدر محذوف.
الإشارة : الأولياء على قدم الرّسل ، فكل ما لحق الرّسل من الإيذاء يلحق الأولياء ، فقد كذّبت ، وتحزّب عليهم أهل عصرهم ، وهمّوا بأخذهم ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ، فأخذهم الله بالخذلان والبعد ، والخلود فى نار القطيعة والحجاب ، والعياذ بالله.