ثم هدد كفار قريش بقوله :
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (١٣) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (١٤) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥))
يقول الحق جل جلاله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي : قبل أهل مكة (قَوْمُ نُوحٍ) نوحا ، (وَعادٌ) هودا (وَفِرْعَوْنُ) موسى ، (ذُو الْأَوْتادِ) ، قيل : كانت له أربعة أوتاد وحبال يلعب بها أو عليها بين يديه ، وقيل : كان يوتّد من يعذب بأربعة أوتاد فى يديه ورجليه ، ويتركه حتى يموت. وقيل : كان يرسل عليه عقارب وحيات. وقيل : معناه : ذو الملك الثابت ، من : ثبات البيت المطنّب (١) بأوتاده ، فاستعير لرسوخ السلطنة ، واستقامة الأمر ، كقول الشاعر :
ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة |
|
فى ظلّ ملك ثابت الأوتاد (٢) |
(وَثَمُودُ) وهم قوم صالح ، (وَقَوْمُ لُوطٍ) كذّبوا لوطا ، (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) ؛ أصحاب [الغيضة] (٣) كذّبوا شعيبا عليهالسلام ، (أُولئِكَ الْأَحْزابُ) : بدل من الطوائف المذكورة. وفيه فضل تأكيد وتمهيد لما يعقبه ، وأراد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هؤلاء الطوائف ، وأنهم الذين وجد منهم التكذيب ، ولذلك قال :
(إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ) أي : ما كلّ أحد من آحاد أولئك الأحزاب ، أو : ما كلّ حزب منهم إلا كذّب الرسل ؛ لأن تكذيب واحد منهم تكذيب لجميعهم ؛ لاتفاق الكلّ على الحق ، أو : ما كلّ حزب إلا كذّب رسوله ، على نهج مقابل الجمع بالجمع. وأيّا ما كان فالاستثناء مفرغ من أعم [العلل] فى خبر المبتدأ ، أي : ما كلّ أحد منهم محكوم عليه بحكم إلا أنه كذب الرّسل ، (فَحَقَّ عِقابِ) أي : فوجب لذلك أن أعاقبهم حق العقاب ، التي كانت توجبه جناياتهم من أصناف العقوبات.
__________________
(١) خباء مطنب ، أي : مشدود بالأطناب ، والأطناب : ما يشد به البيت من الحبال بين الأرض والطرائق ، وقيل : هى الأوتاد ، واحدتها : طنب. انظر اللسان (٤ / ٢٧٠٨).
(٢) البيت للأسود بن يعفر. انظر غريب القرآن لابن قتيبة (٢ / ١٠٠) ومعانى القرآن للنحاس (٦ / ٨٥).
(٣) فى الأصول الخطية [الغيظة].