لهم حتى يصلوا إليها ، وفى وقوفهم قبل فتحها مذلة لهم ، كما هى حال السجون ، بخلاف أهل الجنة ، فإنهم يجدونها مفتوحة ، قال تعالى : (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (١) ، كما هى حال منازل الأفراح والسرور.
(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) أي : أنجزنا ما وعدنا فى الدنيا من نعيم العقبى. (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) ؛ أرض الجنة ، أي : المكان الذي استقروا فيه ، وقد أورثوها وملكوها. وأطلق تصرفهم فيها كما يشاؤون [تشبيها] (٢) بحال الوارث وتصرفه فيما يرثه ، واتساعه فيها ، (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) أي : يتخذ كل واحد منا جنة لا توصف ، سعة وزيادة على الحاجة ، فيتبوأ أىّ مكان أراده من جنته الواسعة ، (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) فى الدنيا الجنة.
(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ) حال كونهم (حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) أي : محدقين به. و «من» لابتداء الغاية ، أي : ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله ، أو : زائدة ، (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي : يقولون سبحان الله ، والحمد لله ، سبوح قدوس ، رب الملائكة والرّوح. أو : ينزهونه تعالى عما لا يليق به ، ملتبسين بحمده. والمعنى : ذاكرين الله تعالى بوصفى جلاله وإكرامه ، تلذذا ، وفيه إشعار بأن أقصى درجات العليين فى لذائذهم هو الاستغراق فى شهوده عزوجل.
(وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) يقوله أهل الجنة شكرا لله حين دخلوها ، وتم وعد الله لهم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) كما قال : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).
الإشارة : وسيق الذين اتقوا ربهم حق تقاته إلى جنة المعارف ، زمرا ، متفاوتين فى السير ، على قدر تفاوتهم فى القريحة ، والاعتناء ، والتفرغ من الشواغل والعلائق. حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ، بذهاب حجاب الكائنات ، حتى بقي المكوّن وحده ، كما كان وحده ، وجدوا من الأسرار والأنوار مالا يدخل تحت دوائر العبارة ، ولا تحيط به الإشارة. وقال لهم خزنتها ، وهم شيوخ التربية ، العارفون الله : سلام عليكم طبتم ، أي : تقدستم من العيوب والأكدار ، فادخلوها خالدين ؛ لأن من وصل لا يرجع أبدا ، وما رجع من رجع إلا من الطريق. وقالوا : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، بأن أنجز لنا ما وعدنا من الوصول ، على ألسنة المشايخ. قال فى الحكم : «سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه ، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه».
__________________
(١) من الآية ٥٠ من سورة ص.
(٢) ما بين المعقوفتين ، ليس فى الأصول ، وأثبته لاقتضاء السياق له.
(٣) من الآية ١٠ من سورة يونس.