فصفوف صلاة الجماعة ، ومضافاً إلى روحانيتها الخاصة الحاكمة عليها واقترانها بنور المعنوية والصّفاء ، خير وسيلة لاطلاع عامة النّاس على المسائل المصيريّة للمجتمع الإسلامي.
لقد استطاع المسلمون الأوائل ومن خلال صلاة الجماعة ـ وهو لقاء يوفرلهم اللقاء صباحاً ونهاراً ومساءً ـ كسب الوعي الكافي ووحدة الصف والكلمة مقابل اعدائهم ذوى العدة والعدد ، حيث استطاعوا أن ينشروا برنامج الحكم الإسلامي وتعاليم الدين بسرعة فائقة. ففي صلاة الجمعة والجماعة ، وطبقاً للتعاليم الإسلامية ، فإنّ الإمام وحده هو الذي يقرأ الحمد والسورة نيابة عن الجميع ، وبهذه الطريقة يبعت الانضباط الاجتماعي في نفوس الناس التي تعتاد على الإدارة المقرونة بالروح والمعنى اللذين توفِّرهما مضامين السورتين اللتين يقرأهما إمام الجماعة.
والنّكتة المهمّة هنا هي أنّ للإمام الحق أنْ ينتخب سوراً مختلفة وآيات متنوعة من القرآن لقراءتها بعد سورة الحمد بحسب المناسبات المختلفة ، وكلّ واحدة من هذه السور يمكنها أنْ تشتمل على دروس في المعرفة الإسلاميّة ، والأخلاق ، والتّربية السّياسية والاجتماعيّة ، فعندما يقرأها الإمام بشكل جذّاب والكلّ قائم يصغي لها بسكون عميق ، يكون لها أثرٌ تعليمي قوي منقطع النّظير في نفوس المأمومين ، يضطرهم إلى التّفكر والتّعمق في محتوى الآيات ، ويضاعف روحانيّة العبادة وتأثيرها ، ولو أنّ هذه المراسم العبادية تؤدّى بآدابها الإسلاميّة المقررة وحضور القلب وتمركز الحواس وهي الشرط الأساسي لقبولها ، لكانت مدرسة عظيمة لتربية المجتمع الإسلامي ، وفضلاً عن ذلك فإنّ هذه المراسم تكون درساً تربوياً لأعداء الإسلام والأجانب ، وغالباً ما يلاحظ أنّ هؤلاء يقفون متأملين متفكرين في هذه العبادة عندما يشاهدون المسلمين في صفوف منظمة ومرصوصة يُقيمون الصلاة.
ومن هنا ورد عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليهالسلام أنّه قال :
«إنَّما جُعلتْ الجَمَاعَةُ لِئَلا يَكُونَ الإِخلاصُ وَالتُّوحِيدُ وَالإسْلامُ وَالْعِبادَةُ لله إِلّا ظاهِراً مَكْشوفاً مَشْهُوراً ، لأنَّ فِي إظْهارِهِ حُجَّةً عَلى أَهلِ الشَّرقِ وَالْغَرْبِ ... مَعَ مافيهِ مِنَ المُساعَدَةِ