وعلى هذا ، فإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام كان ولياً من قِبل الله تعالى حتى قبل بيعة الناس له ، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى قد منح هذه الولاية له عليهالسلام طبقاً لصريح آية الولاية : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ). (المائدة / ٥٥)
وطبقاً لحديث الغدير المتواتر وجملة : «مَنْ كُنْتُ مَولَاه فَهذا عَلىٌّ مَولَاه» ، حيث إنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله قد عيّنه رسمياً لهذا المنصب من قبل الله تعالى ، لكن بيعة الناس للآخرين حالت بينه وبين تطبيق ولايته مدّة من الزمن ، ولم يمكن تجسيد هذه الولاية إلّابعد بيعة الناس له عليهالسلام. أجل ، فالشعب قد هيأ الأرضية للتنفيذ ، لا أنّه أوصله إلى مقام الولاية الفعلي.
وكذا الأمر بالنسبة للفقهاء ، حيث إنّهم ـ وطبقاً لما سيأتي من الأدلة ـ كلما تمتعوا بحسن التدبير والإدارة والإحاطة بأمور الزمن وشروطه فضلاً عن الاجتهاد والعدالة ، فلهم الولاية الفعلية من قبل الله تعالى ، لكن تطبيق هذه الولاية يحتاج إلى مقدمات وعلى رأس هذه المقدّمات دعم الشعب وتأييده.
وهكذا الحال في النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، إذ إنّه لم يتمكن من تشكيل الحكومة فترة وجوده في «مكة» ، بل قام بتشكيلها حينما دخل المدينة وكان دعم الشعب كافياً لذلك والعقبات قد ازيلت ، لكن هذا لا يعني أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم تكن له الولاية في مكة ، وأنّها منحت له من قبل الناس في المدينة ، (تأمل جيداً).
الولاية الخبرية والإنشائية؟!
يعتقد البعض أنّ العلماء الذين تحدثوا عن «ولاية الفقيه» لهم رأيان متفاوتان ، فالبعض قال بولاية الفقيه بالمعنى «الخبري» ، والبعض الآخر بالمفهوم «الإنشائي» ، وهذان المفهومان يختلفان في الماهيّة عن بعضهما.
فالأوّل يقول : إنّ الفقهاء العدول منصوبون من قبل الله تعالى للولاية.
ويقول الثاني : يجب على الناس انتخاب الفقيه الجامع للشرائط للولاية.